زينة المدوري - عذراء يا حبيبتي..

... الماء البارد المُنساب بغزارة على جسدها المُنهك لم يُحدث به تلك القشعريرة ربما فقدت الإحساس بالأشياء. تُحرّك أصابعها ببطء داخل شعرها و تغمض عينيها كى تنسى تلك الليلة الفاصلة ، أيعقل أن يغسل الماء أحداث نصف ليلة اختزلت قصة حب دامت ثلاث سنوات ونصف ليلة !؟ كانت تحُثّ الخطى حين دخل المصلون الجامع لأداء صلاة العشاء ذاك الوقت المتفق عليه معه حيث يكون في الجامع ، ترك لها المفتاح تحت السجادة على عتبة الشقة . كانت المرة الأولى التي تزوره في شقته رغم محاولاته العديدة ، مغامرة منها بعد إلحاح أن تكون معه في هذا الوقت المتأخر . وهو يهاتفها ألحّ عليها ان تضع العطر الذي يحبه، ما كانت تهتمّ لرائحة العطر الفاخر بقدر اهتمامها بشمّ رائحته، وجوده الغائب ومشاعره التي باتت باردة وكثرة انشغالاته ، ووعوده بالزواج ، المنكوثة هو ما يؤلمها ، تحسّست قفل بنطلونها الجينز واسدلت قميصها الوردي. انحنت تبحث عن المفتاح تحت السجادة وقلبها يكاد يتوقّف خوفا ، كيف قبلت ان تزوره في شقته قبل ان يعقدا قرانهما ، حتى أنه فأل سيء في عاداتهم !؟ لحظات وادارت المفتاح وولجت الشقة . جلست في الصالون تتأمل وردة بيضاء لم تتفتّح جيدا وُضعت بعناية في مزهرية على الطاولة، ثم جالت ببصرها في الشقة واستغربت وجود مرآة في كل جدار .
لحظات ودخل حبيبها ، قفزت من مكانها مضطربة فسارع لاحتوائها وطمأنها ان لا تخاف.
بقيا يتحدثان عن مصير علاقتهما وهما يتناولان العشاء وانه في طريقها الى ان تتوج بالزواج قريبا ، وهي التي انتظرته ثلاث سنوات ليوفّر ضروريات الشقة والباقي تكفلت هي به . لم تنظر الى ساعتها فقد سرقهما الوقت، همّت بالرحيل فطوّقها بذراعيه وترجّاها ان لا تفعل فهي المرة الوحيدة يكونان معا . دعاها الى الغرفة لتستريح بعد جهد يوم كامل قضته بين اسرة المرضى بالمستشفى . كانت الغرفة مرتبة جدا سرير كبير عليه شرشف أبيض ، لم تشأ ان تتمدّد عليه لأنها لا تحب اللون الأبيض والأسرّة البيضاء . اقترب منها أكثر وأكثر وراحت يداه تداعب خصلاتها المتمرّدة على وجنتيها ، ثم طوّق خصرها الجميل : يا الله كم انت جميلة وفاتنة !؟ انظري لجسدك في المرآة! كيف انسكبت ثلاث سنوات من عمرنا هُباء ولم ننعم بهذا الجمال! كيف لحلمتين ان تستمرّا واقفة بعد هذا التعب!؟ لأول مرة تشعر معه بالدفء وهي التي اعتادت العيش بين المرضى ووالدتها الكفيفة المقعدة ، جثا على ركبتيه عند قدميها يرتّل تسابيح العشق ، تلاشت مع سمفونية حب وهي التي حرّمت على نفسها جميع المغريات، كانت كالعصفورة بين يديه ، أنثى خجولة في ليلة اكتمل فيها القمر ، تركت له نفسها ونسيت امر الشراشف البيضاء وغابت عن العالم وسط شهقات وتاوّهات والتحام لم يسبق له مثيل ، لم تستفق الا وهو يحاول انعاشها بذاك العطر المفضل لديه ليطبع على جبينها قُبلة : " كم كنت لذيذة يا حبيبتي!
انتفضت تغطي نفسها بيديها نظرت الى الشرشف الأبيض وقد لطّخته قطرات دم حمراء فاتحة لا تشبه دم المرضى الذي تزيله بعد كل عملية جراحية ، لم تتفوّه ببنت شفة . سحب الشرشف من تحتهما و بإشارة من يده ان ضعيه في الرّفّ دون ان تغسليه .... وأضاف لا تغلقي الباب بقوة وانت تغادرين...
أسرعت ترتدي ملابسها ، جففت دموعها ووضعت الوردة البيضاء في شعرها التي حلمت ان تلمسها أصابعه كي تزيل من عليها وجع الحياة ووضعت أكثر عطر يحبه . لفّتْ الشرشف وفتحت الدولاب لتضعه فكان ترتيبه السابع ، فقط هو الوحيد لونه أبيض هكذا يُحتفظُ بدماء العذارى... قطرات تفقد لونها بمرور الزمن غير انه لا يَرتقُ غشاء بكارتها الذي أُفتُضّ تحت جنح الظلام ودون مراسيم تليق به .... وهي تغادر كان قد علا شخيره ، نظرت نظرة طويلة لنفسها فى المرآة وبكُمّها مسحت آخر دمعة علقت بمقلتيها وابتسمت ابتسامة لا يعرف معناها غيرها .... كم كنت عظيمة أيتها العذراء !

زينة المدوري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى