د. نجاح إبراهيم - قبض الرّيح.. قصة قصيرة

نشوةُ الظَّفَر، ووهمُ الارتياش.


* ما يشبهُ العقاب:

زنيمٌ باغتَ ثدي إحدى ناهدات نصّي في لحظة زهوٍّ، فََشَرِقَ بلعابه واشتهائِه.

***

* تخريف:

ـ هل تُطوى أجنحةُ الرّيح المدمدمة في قبضة، ويُخنقُ عزيفُها ليستحيلَ حمامةً وديعة؟!

أمتأكّدٌ أنتَ،

أنّ هذه الكفُّ الرّاهشة، الواهنة كفءٌ لريحٍ مجنونة؟

صرخ بنزق الّلديغ:

ـ المهم أن أسكنَ قصراً أُسوةً بساكني القصور.

ـ والدّم؟

ـ أيُّ دم؟!

- ألا يريبكَ أن تحملَ هذا العِكْرَ في شرايينك؟

ردَّ بحنقٍ:

ـ سأغيّره، سأغيّر كلَّ شيءٍ لأجلِ أن يرتفعَ بنائي، سأشحذ لأجلِ حلم.

ـ أمن طوبِ نصّي تبنيه؟ ومن ليالي سهدي، ودم حبري، تسوقُ لجدرانه الحياة؟

تخفّف من نبرةٍ الصّوت ربّما لتسويغِ حلم الآخرين باعتلاء الشّرفات الفضّيّة العالية، أو اعتلاء ظهور الظّعائن لا فرق! يزحف همسٌ نحو أذنه التي قام بحكّها بانزعاجٍ حين سمع:

ـ أيّها الرّقيع! ما هكذا تُبنى الأمجادُ!

***

النّص:

هي اللأواءُ!

والرّقاعةُ وجدب الحبر والدّم، والرّؤى. تلكم الأشياء كانت دافعه الممضّ والحثيث لأن يزور صديقه القديم حسّان في مقرّ المجلّة التي يحرّر إحدى زواياها الشّهريّة.

صديقٌ كان معه رحب الذّراع والصّدر والفهم، فلم ينقصه هذا الزّائر من شمائلهِ، ولم يستطع حسّان أن يخلّصه من مساوئه وينقّيه من شوائبه، فبقيا كما خبرا بعضهما منذ انطلاقتهما البكر من حوائر تلك البُليدة الشّمالية البعيدة، والمهملة، واتّجها إلى هذه المدينة الكبيرة التي تسمّى العاصمة، واستقرّت بهما النوى فيها، فأجادت على حسّان بسخاءٍ نظير اندفاعه وسجاياه، وبخلت على الآخر، فغرق في المباذل والطّين.

ولأنّ من طبيعته أن يكون رمّاماً بمعنى قشّاشاً، ينتظرُ ما تبذل يمين صديقه لـه ليعبّئه في كيسٍ ثمَّ يخرج به من عنده، ليندفع إلى إطعام عياله وحشو الأفواه الكثيرة التي تحاصره فتوخزه العيون الملتمعة بلون الخرز الأسود.

ويعرف حسّان تماماً، أنّ لا شيء يمكن أن يغيّر هذا الزريّ الذي شاء القدر أن يتعثّر به، ويلزمه إِلزام زرٍّ لعروة أينما اتّجه، فيسمّى عليه صديقاً شاء أم أبى. فوضع حسّان ملحاً على الجرح وعضّ عليه، وأبقاه إلى جانبه في حلّه وترحاله متعلّلاً مرّة بالرّحمة وأخرى لما للسّائل من نصيبٍ ومرّة ثالثة رغبةً في أن يتغيّر هذا المخلوق أسوةً ببعض الكائنات التي تغيّرت فسيقت إلى ساحة السّيرك تُضحكُ النّاس فتفيد وتستفيد.



كان يقول لـه كلّما التقاه، وقبل أن يردّ عليه السّلام:

ـ لعلّك ترقيت من مرتبة الزّطّي؟

فجيب، وعلى زاوية فمه اليمنى يلتمع روالٌ:

ـ بل ازددتُ زعارة.

وحينما يقتربان من بعضهما، يخطف حسّان نظرةً سريعةً إلى رأسِ صديقه يشير إليه قائلاً:

ـ أبَعدَ أن ازعرَّ هذا؟

ـ سأبقى كذلك حتى وإن بدا الجلدُ أكثر قفراً.

فيضرب حسّان على كتفه ويقول:

ـ أيّها ال...! قل لي كيف حالك؟

فيمسح لعابه بكمّه، ويردُّ:

ـ كما أنا..

وحين يجلس على أقرب كرسيٍّ إِلى الطّاولة، تعبث يده بأقرب الأشياء الملقاة عليها، فيتناوش بعض الصفحات، يقرأ ما فيها بلا اكتراث، مما يجعل حسّان يقذفه برجاءٍ مضى عليه أكثر من عشرين عاماً:

ـ يا رجل اسع، اقرأ لتكتب، قد كانت لك بدايات في هذا المجال.



فيردّ بلا مبالاة:

ـ ربّما كنت على حق.

ـ بل أنا كذلك، دواتك يا صديقي فارغة.. انظر إلى هؤلاء كيف يبدعون؟

وأخرج من الأدراجِ كمّاً هائلاً من نتاج فكرٍ يتهاطل عليه كلَّ صباح.

يردف حسّان:

ـ انظر إلى هذهِ الكتابات، كلّها تستحقُّ النّشرَ، اكتبْ وسأساعدك.

لم ينبس بكلمة، اكتفى بتفريغ نظره فوق قصّةٍ لفتَ عنوانها انتباههُ، شدّه، هزّه، قال لحسّان وهو يمدّ يده إلى الصّفحات، يقرأ على عجلٍ اسم المؤلّف، فراعه حينما قبضت عيناه على اسم تلك الكاتبة التي يكرهها بقوّة.

راغَ كثعلبٍ ليحصل عليها، أحسّ بارتباكٍ واضطراب، فحاول أن يكبت أمام صديقه ما بداخله، قال في سرّه، وقد بدا الحنق واضحاً عليه




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى