محب خيري الجمال - عن الذي أنفق عمره في شتم الهواء..شعر

أنا كثير الترحال
أخرج ليلا من "سوهاج" بلا ضوضاء،،
أمر على أسماء البلاد بلا أصدقاء،
أودع الشوارع والبيوت القديمة،
البيوت التي يسيل من فمها تلويح الوداع،
القبلات المعلقة على حبال الغسيل
وقصص الحب على كورنيش النيل،
الذكريات المحفورة على خد الجدار
وأضواء المحلات التي تمط نوافذها بالإرهاق،
أصوات البنادق التي تأتي من خلف الحقول،
الأصوات التي تختلط بالنواح والانتقام
وتقاليد العائلات الكبيرة،
بكل مكان أمر به هناك من يبحث عن ضحية،
هناك من يشمشم عن الحب في حقائب الغربة،
صوت " عبد الوهاب"
"على سواقي بتنعي على اللي حظه قليل يا نيل"
الحظ الذي يلعب دورا في إضاعة الفرص
أؤجره لجسد موهوب
يستطيع أداء الحركة المباغتة دفعة واحدة
دون الشعور بألم السقوط في وهم الينابيع العكرة،،
//
النار أكلت لحم النور في كمين " العريش"
يقول الخبراء أن هناك حربا حقيقة في سيناء،
والتلفزيون لا يبث سوى الخطوة المعتادة للنعوش ورائحة الموسيقى العسكرية،،
وأنا بعينين تائهتين أبحث عن رديف الأصدقاء
بين أكوام المتبرعين بالرحيل المبكر،
الذين شاخوا قبل الأوان،
الذين شبعوا من الحرب،
ومنحوني وقتا أكثر نبضا في المقابر،،
أنا لست مرعوبا كعادتي من الأخبار السيئة،،
قلبي وحده يعرف ذلك،،
لا يبدو الموت لي شيئا مأساويا بالمرة،،
لقد كبرت وصرت ناضجا بما يكفي لتحمل الصدمات
اعتدت منذ طفولتي على ذلك،
صرت رجلا بلا قلب،
يسكنني الجبل والليل الأسود والبحر المالح،،
لذلك استقبل كل المفاجآت بابتسامة نادرة،
فثمة أمور لابد أن تحدث
كالذي أنفق عمره في شتم الهواء
عندما قرر أن يخرج من عظام العالم
قال للموت بوضوح تام "طز"،،
//
بداخلي ميت أرهقني البحث عنه،
بهدوء حين وجدته علقته من خصلة حنجرته
وطوفت به جسدي بالكامل
عذبته كإله منتقم ودفنته في نار وقودها الناس والحجارة،،
كالحزن الذي أربيه الآن على أكتاف الجبال
الجبال التي تشقني أنصاف متناقضة
وتحلق بعيدا عن حقول الدم وأسئلة الضوء
عن الذين قالوا وداعا وتركوني كحصوات بالية
تتبول عليها الفئران والخنازير،،
//
أستطيع الآن هدم البيت بقسوة
لدي رغبة في استعمال الحياة كممحاة لفضلات التاريخ والجغرافيا،،
والتطوع بجر القصائد في ميدان عام على إهانتها الدائمة لأحلامي الصغيرة،،،
//
من فتحة ضيقة في الروح
وقبل أن يحل الغياب في عيون الشمس
قلت لصديقي في وداع مر،
سلم على أمي وقل لها: لدي الآن ثلاثة أطفال أوغاد
يأكلون في مائدة كبدي،
يفكرون في بيع قصائدي للفراغ كمحاولة بريئة لعلاج المستقبل
وأن زوجتي تعتني بأبي جيدا،،
قل لها: أني تجاوزت مرحلة الخوف من النهر
تجاوزت فضيحة الغرق عاريا وأكل الوحل على موائد اللئام،،
وعلاج المترملات من حمى الليالي المملة،،
بمفردي الآن أقاوم أقمشة القبح،
أرعى الغيوم وأقودها نحو الهروب من الباب الخلفي للحياة،،
أغسل اسمي يوميا وأدعكه برمال خشنة
أطحنه بغيظ وأفتته من جوانبه المتآكلة
تعلمت غسل اسمي جيدا
أغسله مع أواني المطبخ وكَي الملابس
وتنظيف الأرضيات من أقدام اللصوص
وصداع الأطفال وصراعات الشعراء
على فخذ القصائد النيئة،
قل لها: أني ما زلت أمشي مسرعا دون الالتفات لآلام المفاصل،
وأوسخ ملابسي بالورنيش والصبغات المستعملة
والصباح بعدك لا يبل الريق،،
ما زلت بليدا في تلمع حذائي وحلق ذقني صباحا،،
لذلك ما زال وجهي كعادته الصباحية يغمره الغبار،،
وحذائي يكشر عن ثقوبه في وجه التراب،،
قل لها: أن جسدي صحراء كاملة
وقلبي مقبرة كبيرة تستوعب القبلات الناشفة،،
اسمي الذي أضعه على النار حتى يحترق ويزول من الوجود
يجري كجرو ينبح
يموت وما من أحد يبكي عليه،،
//
كمن يمسك جمرة محاولا سلخ جلدها
وابتلاعها دفعة واحدة كي تغفو قليلا في القلب،،
أجبر الشمس على خلع سروال الدموع
وكنس ما تبقى من هذا العالم القميء،
//
ما زلت أمشي كخط مستقيم راقدا في النسيان،
أنا الذي تعلم قتل العقارب في المهد
وهي تمرح تحت وسادة ممزقة
مشبعة بالدساتير الوسخة وعربات الإسعاف
التي تطارد الجثث المتفحمة في نوافذ المشرحة،،
أقفز من النصوص وفخامة الفلسفة كضفدع منتوف الجلد،،
يصطاد العناكب من الحواديت المهترئة
يشعل رأس الشموع أمام الأيقونات القديمة
ويتأمل طفل المزود وصليب الجلجثة،،
بعد أن رسب في اختبار عبوره للصراخ،،
//
شيء من اللهفة والحنان
تعب الأصابع وهي تقوم بمهمة كتابة عبارة قصيرة
على كوبري"أخميم"
كتابة رسالة إلي الله في جبل" شنشيف" العامر
أن يحفظ لي بنت الجيران وأن يعلمني تربية القصائد
مثل تربية أمي لطيور الجنة،،
يارب أنا لا أفهم شيئا عن الحب
وورائي الكثير من كوارث الروح،،
علمني تربية الشعر كتربية أمي لطيور الجنة،،
بنت الجيران يا الله ميراث القصائد وحدائق الزيتون، لا تجعل قلبي منفيا على تلال الوجع
أنت الذي كنت تُرسلها بالمن والسلوى،
لا تحرمني يا الله منها لا تحرمني،
"سأكون في انتظارك دائما في انتظارك، فانتظارك هو الأمل الذي أحيا به وأعيش له، وما دامت تميمة حتحور تزين صدرك العريض، وتوأمتها تزين معصمي، فستعود الي كما وعدتني بمحراب المعبد سأكون بانتظارك عندما تأتي، وسأرتدي أجمل أزيائي كالشجرة التي تتزين بأجمل أزهارها، سأكون بانتظارك كعيدان القمح التي تتزين بسنابلها الذهبية لتستقبل طيور السمان وتخفيه عن عيون البشر"*
وأنا في انتظاركِ كآخر شجرة توشوش ماء النهر بحب آتون،،
أنا الكاهن "رع موس" أنا الكاهن الأكبر في بيت"إخناتون"،
أنا ابن النيل ومالك أرض "طيبة" وهي" ربة" مقدسة
النقش الخالد في جبل"حوريب"،
اجعل قلبي شجرة محترقة للتجلي الإلهي ولا تحرمني من شمس "آتون"
أنا محبوب ميريت وتميمتها ونقش حتحور على صدري كسنابل قمح تزهر في عينيها،،
اعبر بي هذه الأسطورة ولا تسلمني للغزاة كي لا تهلك نفسي،
أنا الكاهن الأكبر في بيت "إخناتون" وهي "ربة" الروح،،
أنا صانع مجد الفرعون الاعظم
وهي قائدة العالم نحو الخلود الأبدي منذ نعومة صوتي وصمتي وغربة روحي،،،


____________________
أكتوبر 2018
* من رسائل ميريت آمون

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى