د. مصطفى الضبع - مفتاح غير قابل للصدأ.. قصة قصيرة

دائما أرتب مفاتيحي بطريقة تمكنني من استخدامها في الظلام، مفتاح السيارة المميز بحجمه، مفتاح العمارة، مفتاح الشقة، مفتاح درج مكتبي ، مفتاح ........ وهكذا
ليس من عادتي النظر إلى المفاتيح وتأملها أو مراجعتها، بداية الشهر كنت في عيادة الطبيب، انتظر دوري، أدفع مللا بتحريك السلسلة، محدثا إيقاعا بدا مسليا، وقعت المفاتيح، وعندما التقطتها كانت نظرة واحدة كفيلة باكتشافه، مفتاح متوسط الحجم مزروع بينها، راجعت كل المفاتيح رابطا كل منها بوظيفته، كل مرة كنت أتوقف عنده، دون القدرة على تحديد هويته، بدا المفتاح غريبا كعالق في سفر ما وجد مجموعة من الناس فاستكان بينهم، وراح يمارس غربته بهدوء.
في طريق العودة انحاز تفكيري له، بدا طفلا أنجبته من زيجة أفقدتني الذاكرة أو جاء من حلم فتجسد في الحقيقة.
قبل النوم تخليت عن الحلم الذي أسحبه من درج مكتبي يوميا أتدثر به حتى أنام، رحت أنسلخ عن العالم مستعيدا كل التفاصيل منذ أول مفتاح كان علي الاحتفاظ به.
في الأيام التالية تسللت إلى كل البيوت التي عرفتها، جربته فلم يتطابق مع أي منها، بدت الأبواب غريبة عليه، وبدا نافرا من كل الأبواب التي علاها الصدأ.
لاحقا كانت كل المفاتيح من حوله تتآكل بفعل الصدأ، وحده كان لامعا يستعصي على عوامل التعرية، وقسوة الأبواب، وخرافات القلوب، بعدها بدأت أشم له رائحة هي مزيج من الزعفران والمسك وأشياء أخرى لم تستكشفها ذاكرة الشم بعد.
في الأيام التالية لم أعد في حاجة لإضاءة خفيفة أثناء النوم ، وحده كان يصدر ضوءا مثاليا لأنام في هدوء مشوب بالقلق ، متأمله كلمة تبحث عن سياقها لتحيا.
في غربتي القاسية أجلس الآن أحاوره، أحكي له عن البلاد البعيدة، ووجه أمي ، وصرامة ملامح أبي ، وأحلامي المنكسرة، فيحكي لي عن الأبواب الحلم ، والأبواب اليقين ، والأبواب الغرام ، والأبواب .......

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى