أحمد الديب - المتحف.. قصة قصيرة

عندما تتجاوز البوابة الرخامية الهائلة للمتحف الكبير ستشعر على الفور أنك قد سافرتَ عبر الزمن. لا شيء هنا يُعرض بتقنيات البث الثلاثي، ولا بيانات تأتيك عبر مسح الأكواد. بل إن شروط دخولك ذاتها تتضمن نزع عدسات الواقع الافتراضي. لا شاشات مسطحة حتى، فكل شيء هنا محفوظ بعناية فائقة -بجوار شرحه المطبوع- خلف واجهات من الزجاج الخالص!
كل شيء هنا متجسد وحقيقي ويفوح بنسائم الماضي الجميل: كيس أبيض من بلاستيك رقيق عليه شعار بالأزرق والأحمر يعود لهايبرماركت قديم شهير، وعلبة بنية فارغة من ورق مقوى عليها رمز بسيط للغاية يشبه ابتسامة ساخرة برُكن الفم، وقنينة زجاجية صغيرة تمتلئ حتى ربعها تقريبًا بسائل شفاف يُعتقد أنه طلاء للأظافر أو مزيل للطلاء، وفردة واحدة من حذاء نسائي بكعب عالٍ مزوَّد بكاتم صوتٍ للكعب، وخوذة أوروبية المنشأ مصممة لرأس جندي بشري، ولوحة أزرار عتيقة كُتبت عليها الحروف اللاتينية فقط دون الصينية، وبطاقة تعريفية صغيرة بالسيدة "كاثي مينج" المديرة التنفيذية الأولى لمنصة التواصل الاجتماعي الأشهر "سبيكترون"، وواحدة من تلك الملاعق البلاستيكية التي يمكن استخدامها أيضًا كشوكة أو كسكين تقطيع، والتي صممتها شركة "يامي دريم" لتوزيعها -بإضافة خمسة سنتات فقط كان بالإمكان الحصول عليها بدلًا من الملعقة العادية- في جميع فروع توكيلات مطاعم الوجبات السريعة التي أدارتها حول العالم.
بعد جولةٍ كهذه لا بد أنك ستخرج مسحورًا مأخوذًا بالحنين إلى تلك الأيام، وربما دمعت عيناك قليلًا وأنت تعيد تثبيت عدساتك، ولهذا كله لن تدقق بالتأكيد في موضع قدميك وأنت تخطو عائدًا عبر أرضية المدخل، حيث تناثرت العشرات من تلك النقوش الحلزونية الصغيرة الغائرة في الرخام المصقول، التي يؤكد البعض أنها حفريات تركتها أصداف مخلوقات بحرية ماتت هنا منذ ملايين السنين.

بقلم أحمد الديب
10/12/2019




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى