عبد الحميد الصائح - الشُّهَدَاءُ..

عنْدَ البِنايَةِ المَهجورَةِ التِي يَحْرِسُهَا الظَّلامُ،
تأتيكمُ السَّماءُ خِلْسَةً لتَنامَ لَيْلَةً هُنَاكَ،
رَاجِفَةً مِنَ الدِّفْء، حَالِمَةً بِالطُّيُورِ الندِيَّةِ،
تُفْطِرُ معَ الُمتَظَاهِرِينَ عِنْدَ الصَّبَاحْ،
تَرُشّ بالشَّمْسِ الطُّرُقْ،
تَسْتَقْبِلُ الْقَادِميْنَ مِنَ الأحْلامِ الى ساحَةِ التَّحْريرْ
تُودِعُ الْقَادِميْنَ مِنَ الأحلامِ الى ساحةِ التحريرْ
وَترْتفِعُ ثَانِيَةً باجنِحةِ الشُّهداءْ
***
تركوالليالي بِلَا أقفالْ
لِتُصْبِحَ الْحَيَاةُ لَيْلَةً وَاحِدَةْ
لَيلةً طَويلةْ
تبْدَأُ مِنْ باب تشرين حتَّى مَجِيءِ النهَارْ،
الدِّمَاءُ وَاحِدَة، وَالشُّهداءْ يَتَنَاسَلُونْ،
وَالْجسُورُ أَفَاعٍ جَرِيحَةٌ عَمْياءْ.
لَيْسَتِ الْجسُورُ الَّتِي بَنَيْنَاها عَلَى ضِفَافِ الْعُيُونْ..
جُسُورٌ مِنْ أَلْسُنِ النارِ تَلَتْهِمُ الأطفالْ
لِتَتَصَاعَدَ أرواحُهم الَّتي أنضَجَتها الثَّوْرَةَ.
***
هَلْ أَتَاكَ حَديثُ ابْنِ ثنوة
النبِيّ الَذِي قَرَّرَ أَنَّ لايموتْ
الَّذِي سَرَقَ أعمار النَّاجِينَ مِنَ الْمحْرقَة جَمِيعًا.
وبَنَى بِلَادًا مُسَوَّرَةً بالأبدية فِي سَاحَةِ التَّحْرِيرِ.
الَّذِي أُرْسِلَ فِي رِحْلَةِ الدّمَاءِ الَّتِي لاتَجِفْ.
قَالَ : خُذُوهُمْ صِغَاراً فَانِي أنا الشَّاهِدَ الَّذِي لايموت.
خُذُوهُم الى بِلَادِ الْمَلَاَئِكَةِ، الى جَنَّةَ عَرْضُهَا الْعِرَاقَ.
***
الرجالُ السّْودُ الَذِينَ الَتِي حَطَّتْ بِهُم الطَّائِرَاتُ عَلَى الْحُقُولْ
أكلَوْا الزَرْعَ، فَتَسَممُوا.
كَانُوُ يقرأونَ آياتِ الْجُوعِ وَالدَّمْ.
تَرَكوا الْكُتُبَ فِي الْمَطَارَاتِ الَّتِي غَادَرُوهَا.
وَزَرَعُوا الأنيابَ فِي الْحُقُولِ الَّتِي أحْرِقُوهَا.
***
لَيْسَتْ مُفَاجَأَةً
أَنَّ هَذِي الْبِلَادَ مُفَخَّخَةٌ بأبْنَائِهَا
غَيُومٍ مُسلّحَةٍ بِالْمَطَرْ
طيورٍ مِنَ الضَّوْءْ
أَسَاطيرَ مِنَ أسئِلة.
وَأَنَّ الطَّرِيقَ الى اللهِ سَالِكَةٌ بدمَائِهم.
وَلَيْسَتْ مُفَاجَأَةً كَذَلِكَ،
أَنْ يَأْكُلَ الْقَتْلَةُ فِي الْعِرَاقِ أطفالَهُمْ
وَيُبَخِّرُوا أفرشتَهم بِزَفيرِ الشُّهَدَاءِ.
***
اصْعَدُوا اليهِ بِسَلَامْ،
تَتّكيءُ السَماءُ على أرواحِكُمْ
تُيَمّمُوا بِدموعِكُمْ
لاتقرأوا الْكُتُبْ، لاتُدْرِكوا اللّغَاتْ
اللهُ لايَقرأ الْكُتُبْ،
يُصْغِي فقط لأبْجَديّةِ الدِّمَاءْ
مُتَرَدِداً مِثْلَ فَجْرِ الشِّتَاءْ :
لِمَاذَا جِئْتموني مُبَكِّرِين؟
لِمَاذَا جَعِلْتُمُ اللهَ يَسْأَلْ؟
متَرَدِداً مِثْلَ فَجْرِ الشِّتَاءْ
يُضيءُ أشلاءَكُمْ مَرَّةً أخرى
وَيُعِيدُكُمْ طيوراً بَيْضَاءَ الى السَّاحَةَ.
***
قفي، أنْتِ التِي أوقَفتِ الدُّنْيَا عَلَى قَدَمَينْ
وَكَتَبَتِ بِالضَّوْءِ وَالدّماءِ تَارِيخَ الْعَالَمين....
مِنَ أهوارِ الرَّوْح...
وَرِضَاعَةِ الْقَلْبْ ...
مِنْ حُقُولِ الْحَمَاقَةِ وَالجَمَالِ وجِراحِ الْحُريَّةْ ..
تَضعينَ الْمِلْحَ عَلَى المَخاطِرْ
وتأخذينَ أبناءَك أسرى عَوَاطِفِهِمْ
عَلَى دُموعِ الْفُراتِ،
بَيْنَ آثَامِ سُوقِ الشيُوخِ الْمُقَدَّسَةِ
وَحَلِيبِ الْغَرَّافِ الْحَارْ.
يَنَامُونَ هُنَاكْ... يَصْحُوَن هُنَاك
يَنَامُونَ هُنَاكْ... يَصْحُوَنَ هُناك،
يَنَامُونَ، فيَسْرِقُ الرِجال السود أحلامَهم..
يَصْحُونَ ، تَحَيْن الْقِيَامَةَ.
تشرين/2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى