وداد معروف - مس كليوباترا.. قصة قصيرة

حينما قدم لي المعاون دفترا بأسماء النزلاء وقفت أمام هذا الاسم طويلا، غير مصدقة … ماجدة عزيز محمود!!!

أتكون هي ؟ تابعت بقية البيانات، مديرة مدرسة درية سعيد الثانوية، نعم هي ، مس كليوباترا ذات الشعر الأصفر الحريري والوجه البيضاوي بلونه الخمري اللطيف، صاحبة العبارات ذات القفلات المحكمة التي تجعلنا نتوقف عن كل شيء إلا متابعة حصتها الممتعة، فقد عودتنا أن تُنوعَها ما بين الجد والفكاهة والمرح، نلمس حنانها وخوفها علينا من بين كلماتها الناصحة

دققت باب الغرفة 18، استأذنت للدخول، أذنت لي ، لمحت امرأة ممتلئة جالسة على مقعد قبالة النافذة المطلة على الحديقة وقد جعلت ظهرها للداخل من الباب ، منكفئة علي شيء في يدها ، لم تلتفت لتنظر من الداخل ، اقتربت منها ووقفت قبالة وجهها، ابتسمت ، مددت يدي أسلم عليها، مدت يدها ، تأملتها وقلت: صباح الخير مس كليوباترا، اندهشت ونظرت لي طويلا وقالت: إذن أنتِ من طالبات مدرستي؟

قلت : نعم ولي الشرف أن تعلمتُ منكِ الإنجليزية، ونطقها الصحيح الذي أتميز به الآن ، أشارت إلى المقعد المقابل لها لأجلس وأغلقت هاتفها ووضعته بجانبها وأنا أبحث عن ملامح مس كليوباترا فيها فلا أجد إلا صورة باهتة منها، امتلأ جسدها الرشيق كثيرا، بدا وجهها في غطاء الرأس مختلفا، زحفت التجاعيدُ بقسوة للعينين اللتين تميزتا بكحلها الفرعوني ، نعم كحلها الفرعوني الذي كان سببا لإطلاقنا عليها هذا الاسم، الذي شاع بعد ذلك،

سألتني: في أي عام كنتِ عندنا بالمدرسة ؟

قلت لها : هل تذكرين ابتهال وإيفون؟

ضحِكتْ وقالت : نعم أنتِ ابتهال

ضحِكتُ وقلتُ : كنتُ خائفة منك جدا، خشيت أن ترسلي استدعاءً لولي أمري، لكن رد فعلك أدهشنى ،

قالت وهي تمسح على وجهها: وهل تغضب امرأة إذا شبهها أحد بكليوباترا !!

عندما أوقفتِ إيفون لتسأليها عما كنتُ أهمسُ لها به تسارعت دقات قلبي … ولم تهدأ إلا بعد أن رأيتك تبتسمين وتعودين لمواصلة الدرس ،

مدت لي يدها لأنهض بها من المقعد فقد أتعبها طول الجلوس كما أخبرتْني ، مشيت معها حتى السرير، أجلستها وأسندت ظهرها لقائمة قالت: عرفت أن مديرة الدار الجديدة اسمها ابتهال، لكن لم أكن أعرف أنها أنت طالبتي النجيبة ، مبارك لكِ،

وأنا أغطيها بالبطانية قلت لها: أنا هنا ابنتك فلا تترددي أن تطلبي مني ما تريدين ، وكأنني نكأت جرحا عميقا فانهمرت دموع مس كليوباترا وكانت هذه بالطبع أول مرة أرى هذا الوجه الشامخ بهذا الانكسار،

أخذتها في حضني كأنها طفلتي الصغيرة ومسحت بيدي على ظهرها وشعرت ببلل دموعها يتسرب من بلوزتي إلي صدري ، شهقت كثيرا وطويلا ، هدهدتها كما أهدهد طفلتي ، همست لها أن اهدئي لا تبكى لا أتحمل أن أراك هكذا،

تقولين اطلبي ما تحتاجين مني ، هنا لا ينقصني شيء، فالدار على مستوى عال من الخدمة والرعاية ، لكن هل تستطيعين أن تأتي لي بولديَّ من أمريكا وإنجلترا ؟ أن ترققي قلب ابنتي عليّ فتجعلَ زيارتها شهرية بدلا من ربع سنوية ؟ هل تستطيعين أن تعيديني لبيتي؟ لحريتي؟ لذكرياتي؟ لكن دون وحدة

وقفتُ عاجزةً وظلت أسئلتُها تدق في عقلي وتحيرني ، ما الذي يمكن أن أقدمه لمس كليوباترا؟ ، حتى لو اقنعتُ ابنتَها بمتابعة زيارتها ربما تستجيب لي شهرا أو شهرين ثم تعود سيرتها الأولى ؛ فالحنان لا يستجدى

وما زلت أفكر ما الذي يمكن أن أقدمه لمس كليوباترا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى