صلاح عبد العزيز - الأسى..

لا أدرى ما نوع ذاكرتى فهى تحتفظ بى ومع ذلك أنسى الأرقام والوجوه والناس لا أتذكر غير لحظات التعاسة وهى كثيرة ولا أنسى الأسى مطلقا .
هناك ذاكرة فوتوعرافية يكون أصحابها سعداء إذ أن هناك علاقة حميمة بينهم وبين الشوارع/ المحطات/ المحلات /وجوه الأشخاص/ أسماؤهم أيضا .
الأصوات أحيانا لها ذاكرة أيضا تظل فى فضاء السنوات والعمر تستدعينا فى الأحاديث وعندما تتحد بالصورة تصبح ملائكيا .
أفقد الذاكرة أحيانا وأتوه فى الأماكن نفسها ربما أتذكر أننى لم أبرح مكانى منذ أعوام .
أرقام التليفونات /تواريخ الميلاد/الحوادث الكبرى/تصريحات الزعماء والمرابون والقوادون ...... لا تعنى فى ذاكرتى غير محاولة تذكرها أنسى أحيانا دورة المياه وأكون محصورا ولا أجد غير زاوية لقضاء الحاجة .
فى الذاكرة البصرية والرقمية نصبح أفلاما وثائقية أفلاما تسمع أفلاما وترى أفلاما وتعيش أفلاما ولحظات السعادة تكون قليلة لأن الأسى هو موضوع الأفلام .
هل جربتم أن يكون الأسى محور حياتكم فى الأحلام والكوابيس حين تحتضنك مخدة الأسى أو يطردك لحاف الأسى للأسى . الأسى شخص قائم على رأسك فى النهار والليل ذاكرة مرتبة الأحداث والتواريخ ومع ذلك لا توجد صور لا يوجد صوت مجرد فيلم ممتد .
فى الأسى ذاكرة أخرى تأخذك من الطعام والشراب والناس وتظل فيلما صامتا يعيش فيك .
الأبيض والأسود تيمة معروفة فى ذلك النوع غير أن الشجر يظل أخضرا وواجهات المبانى صفراء .
فى مثل تلك الذاكرة يعيش الشاعر والصعلوك والمهمش وفاقدها يكون سعيدا تماما.
مراوحة بين الفقد والتذكر وأحيانا فى حقيبة حياتى أفتش عن امرأة ألقت نفسها فى سلة الوداع لم تدع لى فرصة فى تأمل ملامحها كفيلم هابط يثير الغثيان .
الواقع أنك أيها الشاعر لا تعيش غير تلك الذاكرة الرثة وهى تحمل وجوهها العديدة وترحل فى تاريخ الأسى وأنت كدودة ورق تبحث ولا ذاكرة تدلك أين .
الواقع أن ذاكرتك ضعيفة للغاية ولا تعلم أن الذاكرة هى تاريخ الأسى تاريخ من الأسى المحض يعيش فيك لا تعلم أنك الأسى نفسه وأن المعانى التى تراودك هى أيضا تاريخ للأسى .


صلاح عبد العزيز - مصر 🇪🇬 🇪🇬 🇪

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى