د. سيد شعبان - خصية مولانا!..

نمت مبكرا؛ وتلك عادة توارثتها عن أبي الذي يغلق باب البيت الكبير ومن أبطأ به السهر بعد صلاة العشاء نالته العصا بما يكره؛ وقد يبيت في العراء يلتحف السماء تتشممه كلاب الشوارع، على أية حال تملكتني هواجس منتصف الليل سيما والشتاء فصل تمرح فيه الجن الحمر وتتراقص بما يعجز بني آدم أن يفعلوه؛ حلمت بأنني ركبت حمارا أزعرا، صبغه غجر دسوق الذين يحرسون المقام ويزينونه كل عام بالرايات؛ يرشون عتبته بماء الورد، في مولد الدسوقي يبيعون الحمص والفول السوداني؛ نساؤهم يتبخترن بخلاخيل من نحاس أصفر؛ كبيرتهم عرافة لها سن من فضة وأخرى من ذهب؛ يسرقون الكحل من العيون ويأتون بأفاعيل عجيبة؛ كان ذلك الحمار يقفز فوق الترع والمصارف؛ حتى إنه عبر النيل قبالة بنها العسل في نطة واحدة؛ يسابق القطار الذي استقدموه من بلاد العالم الأصفر، يرفع أذنيه ليحيي طائرة تعبر سماء المحروسة؛ يرفع عقيرته مبتهجا بقرب وصوله باب الحديد؛ مؤكد أنه يعلم بأنه سيحل ضيفا على أم الدنيا؛ سيجد أتانا من باريس ضامرة الخصر وأخرى ذات كشح غليظ من بلاد الإنجليز وتلك الفارهة الممشوقة القوام من بلاد الألمان؛ وقد يسوء حظه فيبتلى بوحشية من أدغال إفريقية ذات شفة غليظة، على أية حال صار يعدو ويتقافز كأنما ركبه عفريت من الجن؛ ينتظره الواقفون على جانبي الطريق عله يحملهم إلى بلاد المن والسلوى؛ يزورهم الذباب فلا يبرح أفواههم، يطن فيطربون؛ وتلك دلائل الرضا عند قوم دخلوا مغارة الأوهام؛ هذا يهب الحمار الحصاوي الفول وذاك يقدم له حبات البطاطا؛ يدثره عطوه السروجي بعباءة حمراء مزركشة، يصدر نهيقه طالبا حب العزيز ولبن العصفور؛ لو رآه امرؤ القيس لتعجب من هندامه ورشاقته؛ ولوقف ليصفه، سأتجاهله؛ فلدي عمل شاق ينتظرني؛ أمر وحماري بالعتبة الخضراء؛ يلوح لنا الجامع الأزهر بمأذنته الفريدة؛ يوما دخلت خيل الإفرنج وجاست فيه؛ يقطر دم الحسين كل آونة فيقهقه جوهر الصقلي؛ ننعطف يمينا حتى ندخل الغورية طومان باي يوما كان هنا، رقبته جيء بها من الريدانية؛ سيف يلمع في الضحى يشخب دما؛ تنتابني رعدة ويتملكني الخوف؛ صوت أبوطيفة يرن في أذني: مولانا الوالي- أبقاه الله- أمر الحكيم بخصي الذكور وجذ شعور النسوة اللاتي ولدن؛ لم تزه واحدة منهن بخصلات شعر صفراء أو سوداء؛ من تتراقص رمانتاها دون أن تمسهما يداه-عصرا- ستجلد سبع مرات وتطوف بالقلعة وذيلها معلق به حجر؛ أندس وسط خلق الله الذين خرجوا من كل حارة وزقاق: من حارة برجوان والدرب الأحمر ودرب سعادة ودرب المهابيل؛
حتى إذا اقتربت من درب الجماميز تحسست البيضتين اللتين رزقتهما صغيرا؛ لم أكد أقرب واحدة منهما حتى زعق أبوطيفة بأنني المقصود بأمر الوالي؛ يجري ورائي رجاله؛ يتماوج سوط وراء آخر؛ بمسكون بي؛ عند باب زويلة تتدلى رقبة تشبه تلك التي فوق جسدي؛ أعرفها فقد علقت بها أمي خمسة وخمبسة وكف طفل صغير مصنوعة من عظم الهرابيد؛ يقهقه مولانا؛ نال ما يشتهي؛ فقد أخبرته العرافة بأن طفلا يمتلك خصبتين في بلاد أماتت ماء الحياة قهرا؛ يتربع فوق أريكة قلعة الجبل!
قالت له العرافة: إن بيضة من خصية عبد أسود يركب الحمار الحصاري؛ يأتي معلقة برقبته خمسة وخميسة، في أسفل ذقنه شامة الحسن؛ يطوف بمقامات الأولياء، تعلوه عمامة خضراء، لم تجز فروة رأسه منذ ولدته أمه، خصيته لم تمسها يد بكر، بظهره عرق الصبا؛ خذ واحدة ضعها مكان العاجزة؛ إن فعلت تفتق رحم ست الحسن والجمال بولي للعهد؛ شرط أن يشرب القمر من ماء النيل عند مجرى العيون؛ ومن يومها ومولانا- أبقاه الله- ينتظر البشارة!
وأما أنا فقد غدوت بلا خصية!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى