د. سيد شعبان - عائلة أبو إصبع.. قصة قصيرة

شغلني الليلة في منامي حدث كنت أتوقعه؛ ما أعاني منه في النهار يأتي -متتابعا مثل شريط سينمائي- في الحلم: آنا أجد له حلا وآونة أعجز عن فك شفراته.
هذا سر لا تخبروا به أحدا، مؤكد أنني أعاني من حالة مرضية لكنني لن أذهب إلى طبيب نفسي كما أشارت علي زوجتي؛ فغير معقول أن يراني صغاري مصابا بالهذيان.
لا تتمنى امرأة زوجا به عته مبكر، النسوة يعير بعضهن بعضا بالثياب الزاهية كيف ولو حدث أن علمت واحدة منهن بما أعاني منه، سأكون حديثهن عند فرن الخبيز؛ ولربما لاك بعضهم سيرتي في برامج الرغي المسائية؛ تسلية لمن يلعب الذباب في آذانهم.
وستحاول زوجتي نكران ذلك وتقسم باليمين المعظمة أن هذه مكيدة من زاهية المطلقة؛ فالكثيرات يعلمن أنها تصيد الرجال.
يبدو أنني واهم؛ قبل النوم تغلق زوجتي الأبواب جيدا، ثمة ندوب في وجهي، أصحو مصابا بتعب، هل أمشي وأنا نائم؟
هذه الليلة جاءني جدي- رحمة الله عليه- مقطوع إصبع السبابة الدم ينزف منه، لم أره منذ ارتحل إلى الآخرة.
كنت أشاهد التلفاز بعدما عدت من العمل، أخذت أقلب في القنوات، رقص على وقع زيارة السيد المحافظ ﻹحدى مزارع البطاطس؛ إنها تنتج سبع حبات شهية، كل واحدة منهن تزن ما يقارب حجم الفيل وتكفي لإعاشة مدينة كاملة، ليست هذه هلاوس جائع إنهم يؤكدون أنه سيتم تخصيب السبع حبات في معامل الهندسة الوراثية ومن ثم سيطعمون الناس شرائح تشبع بطونهم الخاوية.
لن يكتفوا بهذا سيوزعون على الموظفين خبز عش الغراب مخلوطا بلحم الضفادع الشهي، لا يتأخرون عن رفاهية المواطن - كان الله في عونهم- يكون هذا فقط أيام العيد حيث يحتاج الناس لوجبات تكفي لأن تأتي الإناث بمواليد جدد؛ بلاطنا يحذر من زيادة السكان، له العذر تلك أفواه تلتهم حشائش الحقول.
أغان عاطفية وشعارات تملأ لافتات كبيرة تكفي لخياطة سراويل لبهاليل الوطن.
انتبهت لخبر تتناقله وكالات الأنباء: الاحتفال بمرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ أصابتني حالة من الهياج؛ وكل هذه الدماء أليست دليلا أن الحرب ما تزال تأكل في غير رحمة؟
ترى من يكون الحاضرون؟
الخمسة الكبار؟
المحمر ترامب هذا الذي يثور في حلبة المصارعة؛ أو الثعلب بوتين؛ يبدو أن ماكرون يشتهي أن يراقص أنجيلا؛ يغازلها بعينه اليسرى؛ يخاصرها سرا؛ كم يعاني مع تلك العجوز التي ليس فيها من رائحة الأنوثة شيء؛ كم كان دارون محقا!
من تحت نظارته البيضاء ينظر صاحب القداسة أو النيافة الحبر الأعظم لخصر السيدة إيفانكا؛ كم هي مثيرة للخدر اللذيذ!
من قبل سلبت رجلا عقله، أتراها أوصته أن يضع غريمه في "وعاء السيانيد" ؟
ربما بعد مائة عام يقص جدي ﻷحد الصغار هذا الخبر؛ جدي يختزن حكايات خطيرة.
يأتي مطلع المائة عام؛ أحسبه المهدي ننتظره.
جاري في حوار معه؛ قال لي: لو أننا نظمنا رحلة إلى مقابر العلمين لربحنا أموالا طائلة، تمنيت لو أنهم بدل الانشغال بمباراة كرة القدم فعلوا هذا؟
لكن هؤلاء سيرقصون مخمورين،
طفل في حضن أمه وقد أعجلته شظية، حمل وديع تحرقه نار وهو يرضع، عذراء تنتظر حمامة تبثها لواعج حبها، فقير يتسول رغيف خبز، كل هؤلاء ينتشي ترامب فوق أجسادهم الآن؟
متى يرحل عن البيت الأبيض؟
مسز بلوسي كادت له حتى أوقعته في شباكها؛ إنها بالحق امراة ذات خبث.
آه لو علم الجنود!
ربما فزع البحر وجاء بتسونامي آخر؛ فكرة مجنونة بالتأكيد.
نمت مغتما، لذلك جاءني جدي، يحكي لي كيف قطع له جزار البلدة إصبع سبابته؛ الآن عرفت سبب تسميتنا بعائلة أبو إصبع، كنت أرى ذلك اللقب سبة ومعرة، أتحاشى تدوينه في المعاملات الرسمية، أنفر من يدي، بل لا أنام حتى أتمم على عددها، أخشى يوما أن تكون أربعة؛ تلك نبوءة الخالة عريفة- امرأة تؤاخي الجن- لو حدث وكنت مثل جدك؛ ستكون طامة، يشرب التمساح ماء النيل، تجف الترع والقنوات؛ تنبت أشجار السنط فوق ضفاف النهر؛ تسبح الكلاب عارية في غير احتشام، يختفى رغيف الخبز المدعوم؛ ينهب الغجر سوق الغلال، تختفي الجراء من الشوارع؛ يفتتحون مطاعم لها.
وﻷنها امرأة تحب الدعابة: لن تجد لك ذكرا؛ أسرعت وتحسسته، أي رجولة لي لو غاب، يبدو أن شرا يحيط بي. عل طبيب الوحدة الصحية يختزن حبات حمراء قد تصلح ما أفسده الدهر؛ فاق رضا العطار الذي نبتاع منه أشياء الطعام وأحيانا نستجلب منه وصفات لليالي المخملية.
وجه جدي به ندوب؛ أخذت أغسله بالماء الذي أحضرته أمي من زمزم- إنها شركة مياه تعبأ زجاجات من بئر وراء السلخانة ومن ثم تبيعه لنا؛ إنه صامت؛ أحضرت له كوب لبن دافئ، نصف رغيف خبز، حبة طماطم؛ ليتناول عشاءه الأخير؛ يزور كل مائة عام أحد أحفاده، وﻷنني غير محظوظ كما تعلمون؛ لم يحضر لي كنزا؛ لم يهبني أرضا؛ جاء والخمسة الكبار على شاطئ النورماندي" يحتسون خمرا من دم سبعة عشر مليونا، ويبارك الحبر الأعظم فعلتهم، هل يرتدون سراويل؟
هذا سؤال تافه، لا يجدر بي أن أسأله لجدي، أخبرني في معرض كلامه: كان معهم؛ يعمل حمارا؛ يحمل قمحا وشعيرا، يغسل آنية، يحضر لهم الخبز الساخن؛ ومن ثم يضربون الناس.
في مرة أرادوا أن يرسلوه ليوقف روميل عند حده، كان الملك يتمنى هذا؛ موجات الإذاعة تهتف: تقدم يا ثعلب الصحراء.
القصر كان يتمنى هتلر، وجدي يحب ابنة ناظر الوسية، ذهب باكيا إلى أبيه؛ يدبر له حيلة، بعضهم كان يضع إصبعه تحت عجلات قطار الدلتا؛ الآخرون يذهبون للجزار؛ فعل جدي هذا.
Mosand, date d’envoi : Aujourd’hui, à 14:04

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى