المكي الهمامي - المَوْتُ..!

(1)
المَوْتُ يَأْتي، بَغْتَةً..
لا تبتسِمْ، أبَدًا..
ولا تهتِفْ: ظَفرتُ بفرصَةٍ أخرَى،
لأَحْيَا سالمًا، بعد انتهاءِ الحصَّةِ الْحمرَاءِ..
أُطعمُ قِطَّتي أحلامَها..
وأداعبُ الحسُّونَ،
وهْو يُجدِّدُ الإنشادَ لي..
وأصيخُ للأنسَاغِ،
تَصْعَدُ في وُرَيْقاتِ الفَنَنْ..

(2)
ستقولُ: ما زالتْ قوايَ،
كما هِيَ.. الْعقلُ السَّليمُ، مكانَهُ..
والقلبُ ينبضُ.. والأصابِعُ
لا تكفُّ عن الإشارَةِ للخروجِ
[هُوَ انْتصارُكَ..!].
إِِنَّ موتًا طائشًا يَأْتيكَ،
من جهَةٍ تربِّي الورْدَ في بستانِها..!
والوَضْعُ أسوَأُ، دائمًا، مِمَّا تَظُنْ..!

(3)
الموتُ مشغولٌ بساعتِهِ الأنيقَةِ..
غامضٌ مثلُ المعابِدِ،
[وَهْيَ تغرقُ في ضبابِ بخورِها..]
وضميرُهُ المهْنِيُّ يوجِعُهُ..
دقيقٌ.. لا يجاملُ، مطلقًا..
ويداهُ تضبطُ عقرَبًا
صَوْبَ اقتناصِكَ غِيلَةً؛
فاطلُبْ خلاصَكَ.. وانتبِهْ
للَّدْغَةِ الأُولَى.. وكُنْ معشوشبًا،
في وَجْهِ صَحْراءِ المُدُنْ..

(4)
إنْ لمْ تمتْ في القسْمِ،
مختنقًا بجلطتِكَ العنيدَةِ،
رافعًا يدَكَ الشَّهيدَةَ، عاليًا..
ستموتُ، لو تدري،
بطعنةِ ظبيةٍ هيفاءَ
تَكبرُ في صباحٍ لؤلؤيٍّ..
كنتَ تمنحُها المحبَّةَ وجبَةً،
تكفي لِينتحِرَ الْكَفَنْ..!

(5)
في الظَّهْرِ،
من جهةِ الصَّداقَةِ،
طعنةٌ أخرَى..!
يدٌ ساديَّةٌ تأتي على المعنَى..
وتخمدُ، فيكَ،
صوتَ قصيدَةِ..
كنتَ اشتعلتَ بعشقِها
حدَّ الشَّجَنْ..

(6)
الموتُ يشربُ شايَهُ الدَّمويَّ،
في المقهى المجاورِ للحديقَةِ
[والحديقةُ روحُكَ الأبْهَى
تُرفرفُ، غضَّةً].
هُوَ، في انتظارِكَ، وَحْدَهُ..
يلهو بهاتفِهِ الجديدِ..
يُوَجِّهُ الكاميرا إلى جهةِ الظَّلامِ..
ويستعدُّ لقطفِ أَعمارٍ مِنَ البلَّوْرِ،
يانعَةِ الجَنَى..
لكنَّ إيقاعَ الحياةِ
يفيضُ يومًا زائدًا،
لتعيشَ أوهامَ الزَّمَنْ..

(7)
موتٌ غريبُ الشَّأْنِ..!
ملتبِسُ الطَّبَاعِ، كأنَّهُ
يَهْفُو إِلَى شَوْقٍ قدِيمٍ..!
كان منشغِلاً بأمرٍ ليسَ يُدْرَكُ كُنْهُهُ..
ويعدِّلُ الأوقاتَ أكثرَ، حِينَمَا
تجتازُ عاهرةٌ طَرِيقَتَهُ،
وفي أنفاسِها رَمَقُ الغوايةِ خُلَّبُ..
[إنْ شِئتَ أقبضُ روحَها..!]
وتمرُّ سيّدةٌ مهذبَّةٌ، كماءِ الجدْوَلِ
السَّكرانِ؛ يخجلُ من عَفافٍ
مُورِقٍ في خَطوِها.. ويقولُ،
في أعماقِهِ: يَحْيَا الوطَنْ..!

(8)
لا شيءَ أروعُ
من مجازٍ في القصيدةِ ساطِعٍ،
يلتفُّ حولَ الموتِ، فَجْرِيًّا..
يَلوبُ على أعطافِهِ
حَبْلاً من الأضواءِ أخضرَ،
يَكتبُ الأنقَى..
هِيَ الكلماتُ ما يبقَى، غدًا..
لو لا القصيدةُ، لمْ تَكُنْ..!

(9)
مَجْدٌ سقوطُكَ، واقفًا،
كالنَّخْلِ في بَيْدائِهِ..
فاكتُبْ حضورَكَ، حامِلاً
قنديلَكَ الأرقَى..
أضفْ لونًا خُصوصِيًّا
إلى لَوْحِ الوجودِ الآدَمِيِّ.
هشاشةُ الإنسانِ أنبلُ،
حِينَما تنهارُ جدرانُ المَدَى؛
ويظلُّ مبتسمًا سعيدًا بالمِحَنْ..

(10)
الموتُ
يأخذُ عطلةً مَرَضيّةً..
هو في إجازتِهِ،
هنالِكَ،
متعَبٌ من مهنَةِ الموتَى..
ومرتبطٌ بموعدِ كشفِهِ الطِّبِّيِّ
في الأعْلَى،
ويوشِكُ أَنْ يُجَنّْ..!


* شعر/ المكّي الهمّامي *

(بنزرت- تونس)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى