د. سيد شعبان - سبعة أزواج

ارتدت ثوبها الضيق الذي يضج مما تحته ويشكو حظه العاثر يوم ابتلي بهذه المرأة.
تعطرت ودهنت خديها بما أوصتها به زوجة العطار؛ وتزينت؛ فقد ملت سنوات العنوسة وتسارع قطار عمرها؛ ظلت ليلتها الفائتة محتارة تتساءل في حيرة أي رجل ترمي بشباكها عليه وتصطاد؛ لعلها تخمد تلك النيران المشتعلة داخلها؟
الجارات من حولها يحتفين برجالهن وقد يعيرنها بقولهم أسودا؛ وإن كانت ترد في غير مبالاة" القرد في عين أمه غزال"!
واحدة تشتري زوجين من حمام وتضع فيهما الحبهان وجوز الهند؛ وتلك لا تمل من مطالبة شحتة الجزار بأن يحجز لها كبدة العجل؛ تتخابث هند وتوصي حسونة السماك بأن يأتيها ببيض سمك الكافيار يجلبه من من توكيل خاص لأصحاب العلب الحمراء؛ كل هذا وهي صامتة يقتلها الليل ببرودته.
تعبت من عمل حفلات الزار؛ سرحت بعقلها تفيدة العالمة؛ يتراقص الخلخال فوق عرقوب رجليها؛
أمسكت بورقة صغيرة احتفظت بها في خلوتها؛ اشتملت على أوصاف أزواج ترجو أن تحظى بواحد، فقد صار الواحد منهم أندر من الكبريت الأحمر؛ تفاضل بينهم وتقدم واحدا على الآخر؛ فلان الذي يشبه نجوم السينما أشقر الوجه طويل العود، لكنه مخبول العقل يتلفت إلى الرائحة والغادية يظل يتسكع في الشوارع ويجلس عند المنعطفات؛ ضربه الفلس وقتله الفقر، لكم تتمنى أن تصلح حاله؛ تذكرت مقولة جدتها: ذيل الكلب يظل أعوج ولو وضعوا فيه قالب طوب!
أما الثاني معفر الوجه ذقنه تخاصم الموسى؛ شعر رأسه فروة صوف على نعجة.
تراه فتحسبه مجنونا أو شريدا فقد مأواه؛ يجري هنا وهناك كأن القطار بوشك أن يفوته، يشتغل ليل نهار؛ جيبه مثقوب؛ فلو احتاش من كل يوم جنيها لصار اليوم من أغنياء البلد.
مرة تجده سباكا وأخرى حدادا وثالثة زمارا؛ فتعجب من صنعته وتدهش لقلة حيلته!
زمت شفتيها وألقت بعباءتها الحمراء المزركشة بخيوط ذهبية وتنعلت بحذائها الذي يضرب الأرض بمؤخرة كعبها؛ ليعلم ما تخفي من زينتها؛ احتارت في الرمانتين توشكان أن تذبلا بصدرها؛ فما أقسى مرور الزمن عليهما وقد أوشكتا على تقاعد قسري؛ احتالت بقطعة قماش ضربتها بينهما؛ فما أعجب حيلة أنثى تصطاد رجلا!
نظرت في المرآة التي اشتكت من صفحة وجهها، حفظتها حتى في ظلمة الليل لا تمل من مطالعتها؛ تعزي نفسها بأنيس تبثه الهوى وتكيد نسوة الحارة يعيرنها بحبل غسيلها الناشف وبثيابها الباهتة؛ نذرت إن رزقها الله بعريس أن تنشر عليه أقمصة من كل لون وعلى أي شكل؛ تعوض ما فاتها.
دقت ساعة الحائط معلنة السابعة موعد خروج الناس إلى أشغالهم؛ تراه من يكون الثالث الذي تترصده؟
الأستاذ!
يرتدي نظارته تتساقط على أرنبة أنفه، أشبه بعمود الكهرباء؛ نحيل يكاد ظهره ينكسر، يتأبط حقيبة كتبه؛ لا يمتلك غير دراجة تهتز كأن بها صرع؛ لو فيه خير ما تركته أم سعدية ؛ فابنتها تقاربها في العمر أو لاقتنصته نادية الممرضة بعدما ترملت وصارت وحيدة؛ تعيرها نسوة الحارة بوجهها الأرشق؛ حتى بطنها مصابة بالملوحة، لكنها لو احتازته زوجا لأطعمته حتى يسمن ولهندمته حتى تعيده إلى الوجاهة التى يخطر فيها عبده روقان؛ هكذا يعرف في حارة الرمش؛ عوده من خشب الزان وشعره ينهدل وجلبابه مكوي وحذاؤه لامع؛ يضع مبسم السيجارة على شفتيه ويراقصه كلما مرت أنثى وياله من رجل وقح لا يكف حاجباه عن الصعود إلى أعلى يرسمان نصف قوس ثم يهبطان وقد سلب عقلها؛ أحقا تشعل لهيبه كلما مرت أمامه؟
أم تراه يرمي شباكه فيصطادها حمامة وديعة سيما وهي ترقد على بيت تركه لها أبوها دون أن يحضر لها عريسا؛ ليته فعل!
تخطو ناحية الباب ويترامى إلى أذنها صوت أم عبده روقان وهي تدعو عليه بأن يبتليه الله بامرأة تحيره وتنسيه عدد أصابعه؛ قاعد بطال ليس وراءه غير معاكسة النسوان في حارة الرمش.
ابتسمت وحانت منها التفاتة إليه، كأنها هي التي تغازله هذه المرة؛ أو لعلها تتشفى فيه، مشت في الحارة تستعيد باقي السبعة أزواج: محسوب القهوجي ذو الوجه الأبيض، والجلباب النظيف؛ لكنه مهدود الحيل، يتغانج بكلمة لا يغيرها: محسوبك يا بيه!
ضربت يدها على صدرها فأوشكت قطعة القماش التي بين رمانتيها أن تقع؛ يالسوء الحظ هل ستكون في آخر أمرها امراة لمحسوبك يا بيه؛ إذا لشمتت فيها كل بنات الحارة؛ تفلت عن يسارها ثم مضت تبحث عن باقي السبعة الذين دونتهم في قصاصتها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى