د. سيد شعبان - ولي الله الدرداوي!.. قصة قصيرة

تناثرت أقاويل عن رجل يمسك بلوح خشبي من شجرة جميز-عتيقة تربض عند ضفة النيل قبالة كفرنا زرعها الجرواني الكبير- يجري مشقوق الجلباب الكستور المخطط بزرقة تشبه لون السماء، يصيح في الكفر صباح مساء إنه مأمور بصنع سفينة كبيرة؛ فقد اقترب زمن الفيضان، تعصمهم من الغرق؛ لم يصدقه الناس فمن مر به رجمه بحجر أو سخر منه بأن يتفل في وجهه؛ لم تنته بعد أفعال السفهاء الذين تواردت أخبارهم في كتاب الله.
لم يكتف بما يفعل من مواعظ بل يدق بمساميره في أبواب الكفر التي أوشك السوس أن يلتهمها، يجري ومنشاره معلق في رقبته. ومسبحته تتدلى كأن كل حبة منها تحصي ما تبقى من عمر كفرنا العجوز.
عين الماء فاضت من فرن الوسية يقول لهم: اقترب زمن المهدي؛ أحد الحرافيش ممن يزهو بفتوته شدخ رأسه، يتلوى الدرداوي ألما، تجري نسوة في الحارة يسكبن ماء الحياة من ريقهن، يتماثل للشفاء، يتوكأ على عصاه، حين مررت بباعة الكتب وجدت بعض مواعظ الدرداوي مسطورة في عدة أوراق.
كنت أبحث عن تلك السنوات التي أنفقتها ولم أستفد منها شيئا، أشبه بفقاعة تطفو فوق الماء، تبخرت أحلامي وتناثرت في فضاء الزمن.
أتذكر ما حكته لي أمي من وصايا سيدنا الدرداوي: كسرة خبز حلال تشفي من كل داء؛ لطف الله مخفي في قلوب الغلابة، حين يختفي النهر علقوا السبح في رقابكم!
كنت أجرى خلفه وهو يتطوح يمينا وشمالا وعمامته الخضراء كأنها سحابة تمطر؛ أقول مع الصغار : الله حي والدرداوي زمنه جاي!
يبدو أنني مصاب بالعجز، فلم يعد لدي الجهد كي أستعيد توازني، أشيائي الصغيرة وذكرياتي بل وخواطري كل هذه صارت بلا منطق يمنعها من هذيان يصيب الذين يعيشون في زمن الخريف؛ أقلب تلال الكتب؛ أجد صورة له؛ كتاب في العراق ينشر رسائل خطها أتباعه؛ تتملكني رعدة؛ كل الذين ضربهم العجز يبحثون عن مولانا الدرداوي؛ بعضهم يصف حماره؛ يرسمون لوحة زيتية تحيطه هالة من نور وقد أبانوا فتوته؛ حوله الجموع تحتفي به، يتراقص كلب وجرو بين أرجل دابته؛ لكل زمن مسيحه المنتظر!
سور الأزبكية يمتليء بكل النوادر التي تركها أصحابها ويا للأسى انتهبتها يد الباعة الذين يغالون بثمنها!
أحس أن أوراقي بل وأشيائي الخاصة يوما ما ستتواجد هناك.
أخذت أقلب ذلك الكتاب؛ ربما كتبته يد أحد الذين تبعوا الدرداوي- يوم أن مات جعلوا من حجرته الطينية مقاما ورفعوا فوقها راية خصراء- خطوط وجمل مغايرة، تعليقات في الهامش وعلامات غريبة؛ هل كان الدرداوي يحمل سر ما خفي؟
أعلم أن المحروسة في عين الله؛ حاولت أن أجد بابا دق به مولانا الدرداوي مسمارا؛ في ذلك الكتاب نبأ عجيب: البيت الذي يقع جهة الشرق من الجامع الكبير به عين ماء من النيل؛ إن فاضت ليلة الجمعة من شهر رمضان حين يكون القمر بدرا يخرج جمل كبير يهز الباب الخشبي العتيق.
تقول أمي: جاءت يا ولدي الحمى الصفراء؛ بدل أن يفيض النهر امتلأت الحارة بالقطط والكلاب والفئران؛ سكنت الثعابين البيت العتيق!




1618916087919.png




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى