عامر الطيب - أنت تذكرين ما كنا نفعله

أنت تذكرين ما كنا نفعله
قبل أن تكون لنا بلاد و للآخرين بلاد نائية،
لم تكن لنا غير الأرض
التي نعبث بها،
لم ننتبه إلى أننا نبني بيوتاً إلا عندما غابت
الشمسُ
فهدم كل واحد منا
بيته بقدمه
و مشينا وحيدين بطمأنينة
الأزهار التي تتفتح عن طيب خاطر فقط .
أنت تتذكرين ما سيحدث غداً
أيضاً
إنها فاجعة،
تبدو بيوتنا أكبر من أقدامنا
للمرة الأولى!

تعالي معي إلى بغداد
عندئذ ستقفين مستندة على جدار مهجور
لأرسم لك حقلاً.
ستقولين تلك حيلة قديمة
نعم إنها حيلة قديمة
لكني أحتاج
أن أولد بطريقة أفضل
لأدعوكِ إلى بيتي !

لا أعرف سوى أحبائي الآن
هم الذين يطلبون مني ألا أشرب الشاي كثيراً،
ألا أطيل الرقاد على العشب،
ألا أدير ظهري كشمس غائبة
و أطير كسحابة دخان ،
ألا أصفق الباب إن أردت أن أغادر ،
أن أبصر وجهي في القليل من الأحيان ،
أن ينمو لي الجسد
الذي تتخاطفه الأنظار ،
إنني على وشك أن اطفئ المصابيح كلها ،
لا بد إنها خطوة صائبة
لأعرف أعدائي!

لا أحب أخوتي كما يحبونني ،
حبي لهم صفاء مرير و حبهم شفقة
و تعود خائب
على إرواء شجرة العائلة .
ما عدت أعرف كيف يمكنني
أن أشرح لهم الأمر :
أيمكن للمرء
التعرف على رفيق يبغض أخوته
للتخفف من الألم ؟

مثل أحد لا يحبه سوى
فانوسه العظيم
قررتُ أن أشنق نفسي من الأسفل،
أشد أرجلي
بحبل المروحة
و رأسي تلامس الأرضية،
أحدق بالضوء الشاحب لفترات طويلة،
يا إلهي كم يبدو وجه الموت أليفاً من الأعلى ؟!

ما حدث لأناس آخرين
حدث لي قبل سنة من الآن،
لا ينبغي تصديق كل شيء
سيتعرف أحدكم
على رفيق
يتلذذ بسماع أخباره
-و ذلك ما حدث لي أيضاً-
ثم يسعى لأن يجد له عذراً صغيراً
ثم يصمتان فترة طويلة
بعد ذلك يقع ما لا أتبينه
لهذا أنا رجل سعيد، لأن النهاية تُنسى!

هكذا نظفتُ قلبي
بالمرارة التي تكفي ، بالخيبة التي لا تفيد ،
لقد سمعت جلبة في بيت عدوي
و ركضتُ
كما ركض الرجال
الذي كانوا يبغضونه مثلي
دفعنا الباب
و وقفنا بخجل غريب قبالة عينيه المغمضتين،
لقد سامحوه حيث رأوا أنه ميت
و أحببته
لأنه لا يبدو ميتاً !

رفعتُ بصري فوجدتكِ ممسكة بي
لم يكن الطريق مزدحماً
لكنك كنت تعتقدين
إننا نفقد من نحبهم
في وحدتنا أيضاً.
منذ ذلك اليوم وأنا أقطع
طريق الزحمة آمناً
أيتها البلدة البعيدة ما أشد انتباهك لخطواتنا ،
أيتها المباركة التي لا تفلتُ يدي !

دخل العجوز الذي يعلمنا الأحرف
و بيده هراوة،
لم يدر ببال أحد منا
إنه سيسألنا عن أسماء أمهاتنا ،
تلك هي المعارف التي
نملكها مسبقاً.
و لبرهة استفسرنا ،
لو لم تكن لنا طفولة حزينة
لامتنعنا عن الكلام .
عفوا لقد أخطأتُ بتذكر ما حدث:
دخل العجوز الذي
يعلمنا الأحرف
و يده فارغة .
عفواً لقد أخطأتُ أيضاً :
دخل العجوز الذي يعلمنا الأحرف
و بيده منديلٌ،
حسناً ماذا تريدون
إنني مثلكم قادرٌ على تزييف الحكاية التي
لم تحدث يوماً !

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى