شريف محيي الدين إبراهيم - بالمقلوب

تملأ لنفسك كأسا من النبيذ المعتق
تزهو بنفسك...
تشعل سيجارك الفاخر، وتتمدد على
كرسيك الوثير.
في فخر تتابع على شاشة تلفازك السينمائية، موكب ملوك مصر القدماء...
وهم يغادرون المتحف القديم الضيق، في ميدان التحرير،
إلى متحفهم الجديد الواسع.

تتذكر ما صنعوه من حضارة مذهلة...
تمتلئ زهوا وكبرياء.
، ترتشف من كأسك رشفات صغيرة، وكأنك تتلذذ بطعم النبيذ الممتزج بدخان التبغ
تغمرك سعادة بالغة، وأنت تتابع هذا الحفل الأسطوري.
تشعر بريبة مفاجأة حين تلمح حركة مريبة في أحد التوابيت.
ثمة لمعة بريق حادة ، في عيون المومياوات
يتملكك الخوف
تتساءل في ذعر:
هل ما أراه حقيقيا؟!

تعتريك دهشة مشوبة برهبة شديدة، حين تشعر أن أجدادك العظام ، يتابعون بدقة كل ما يحدث حولهم!!

نيران السيجار ، تلسع أصابعك
تتأوه من الألم،
يسقط كأس الخمر من يدك،
، يتهشم فوق رخام الأرض البارد
ينسكب النبيذ الأحمر كدم مسفوح، لضحية خفية.
حينما تأكدت بأن الأجداد يشاهدونك كماتشاهدهم تماما يراقبونك، ويتابعون بدقة كل أحوالك ،
حاولت أن تخفي وجهك...
أن تبدد ملامحك
... التي اختلطت بكل أجناس الأرض

خشيت أن يدركوا أن كل الأجهزة والآلات التكنولوجية التي حولهم ليست من صنع أحفادهم!!
شاشات العرض، والكاميرات، و الموبايلات، حتى السيارات، بل والآلات الموسيقية، هي ألات مستوردة من الخارج.

انسحبت عيناك إلى نهر النيل
تذكرت وصيتهم الخالدة،
لا شيء يعيق جريان النهر!!

لمحت خريطة وطنك
وقد تقلصت
إلى ربع مساحة أرض حضارتهم....
نهضت فزعا من على كرسيك...
انطلقت بعيدا عن شاشة التلفاز.
انزلقت قدماك فوق النبيذ المنسكب.
كدت تفقد توازنك،
حاولت أن تقنع نفسك بأن ما رأيته ليس إلا هلاوس بفعل الخمر...
هدأت من روعك....
تماسكت بصعوبة...
بعد برهة من الوقت، عدت ثانية إلى شاشة التلفاز.
ولكنك وجدته قد أغلق نفسه ذاتيا!!

..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى