عبدالرحيم التدلاوي - في التمر علاج

كانا كلما هاج شوقهما، وارتفع توترها، وتوهج نبضهما ،يلتجآن إلى حقل الذرة، هو من الشرق يأتي، وهي من الغرب. هناك وتحت حماية السيقان النابتة وأكواز الذرة، يزاولان لعبة التخفيف. صارا على هذا الدرب سنين عددا، إلى أن بدأت تشعر بالغثيان والرغبة في التقيؤ، أدركت أنها حامل، وأن الفضيحة قادمة لا محالة، فارتفع التوتر عاليا.
التقيا بذات الحقل، وبدآ يفكران في حل للمصيبة القادمة، أو بالأحرى، في العاصفة التي ستعتلعهما. قال لها: أتزوجك، ردت عليه: لن يقبل بك أبي زوجا، تعرف الخصومة الشنيعة بين قبيلتينا، إن عرف، سيجند طائفته ويحمل عليكم إلى أن يجتثكم، فأنتم، في عرفه، مجرد دخلاء.. لم يجدا من حل سوى الفرار، لا إلى الشمال؛ فالبرد هناك شديد، بل إلى الجنوب، سارا بعزم أكيد إلى حيث المطلب، حذرين من كل مفاجأة غير سارة. لما بلغا المكان، وجداه رمالا ساخنة، لم يثنهما ذلك عن البحث عن مستقر مطمئن، وصلاه: كان واحة توشك على اليبس رغم وفرة المياه، فكل سكانها من الشباب قد غادروها، ولم يبق سوى الكهول والشيوخ، يعملون جهدهم للحفاظ على ما تبقى من حياة في واحة كانت بمثابة جنة. رحبوا بالضيفين، وأحسنوا وفادتهما، وكلفوهما بالإشراف على الواحة، هما الشابان القويان، وتم المراد، وأنجبا وهما يزاولان أعمال الإحياء وإعادة الخضرة للواحة من الإنجاب حتى بلغت ذريتهما العشرة نفر، وفجأة حلت بهما الوفاة التي لا تخبر بزمن قدومها، فتولى الأبناء مسؤولية الواحة، ومواصلة البناء والزرع، لكن سؤالا محيرا أجبرهم على العيش في حيرة متواصلة: من هم؟ ومن أين أتوا؟ لم يترك الأبوان أية وثيقة تدل عليهم أو تعبر عن انتمائهم، فكيف بلوغ الجواب المريح؟ أما أشجار النخيل فقد ظلت صامتة بحكمة من يحمل سر الجواب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى