شريف محيي الدين إبراهيم - فرصة أخرى

توقفت الروح فى تؤده كانت تطلع إلى الجسد ......
ربما تكون تلك هى نظرتها الأخيرة له ، لعلها لأول مرة تشعر بالتحرر الكامل ، ولكنها فى الآن ذاته، كانت تحس ببعض اللوعة وربما الحزن أو الشجن العميق، فليس بشيء قط يمكنه الآن أن يمنعها من السمو والتحليق، ولكنه ألم الفراق والبعد عن أليفها الخاص .
تحرك الجسد المسجى فى ثوبه الأبيض، وأشار لها أن تمضى إلى حال سبيلها، ولا داعى لإضاعة الوقت فى عبث تلك المشاعر ،التى لا يقيم لها حسابا أو تقديرا.
تدخلت النفس ، بغتة حاولت أن تمسك بتلابيب الروح ،التى جعلت تقاومها برفق خشية أن تحدث بها جرحا لا يندمل أبدا .
اقتحمت الشخصية المكان عنوة، صاحت بالروح :
- رحيلك يعنى اختفاء النفس.
همس الجسد :
- منذ متى وأنت تهتمين بأمر النفس؟
بادرته الشخصية فى عصبيتها المعهودة :
- ماذا تقصد؟
- أقصد إنك كعهدنا بك دائما لا تحبين أحدا سواك ، ومبعث خوفك الآن ليس حرصا على النفس، وإنما حرصا على وجودك ، وما أنت فى الحقيقة سوى ناتج تفاعل النفس معى.
- حتى لو كان ماقلته صحيحا، ألا يحق لى الدفاع عن وجودى؟ ثم إن النفس ماهى إلا الأثر الناتج عن العقل.
وهنا بادرهم العقل محذرا :
- ما يدور بينكم الآن من مشاحنات لن يعود على الجميع سوى بالخسارة لقد تعبت كثيرا من تلك الصراعات ، التى ما انفكت لا تفارقكم قط، حتى فى هذه اللحظة العصيبة لازلتم تتناحرون يا لكم من حمقى .
إلا أن الروح احتدت عليه قائلة :
- انا التى ابعث الحياة فى الجسد بينما أنت أيها العقل فقط تنتج النفس، فأنت بدونى تصبح ميتا لا حياة فيك ،أى أنك تحديدا مدين لى بالوجود ،ولا يصح أن تتحدث فى وجودى هكذا .
تململ العقل ثم قال فى لوعة :
- يا أيتها الروح هل نسيت كيف أتعبتنى النفس كثيرا؟
فهى لم تكن يوما راضية أو مطمئنة ، بل لوامة وربما حينا آخر جاحدة.
عادت الروح حينما اشتد عليها ألم الفراق، وأدركت أن رحيلها سيعود بالخراب على الجميع ،لبثت تماما فى الجسد.
ولكنها عادت، وهى تتحين فرصة أخرى، ربما تكون أفضل .

...........................................

تعليقات

أعلى