شريف محيي الدين إبراهيم - الأصل

توقفت أمام قفصها الحديدى !!
ولا أدرى لما اعترتنى هذه الرهبة الشديدة.
كان شعرها ناعما ، طويلا ،يغطى جسدها العارى.
أصابع يديها، منحوتة بدقة، تنضح، بأنوثة طاغية .
ملامح وجهها، مرسومة بعناية، نظرات عينيها حزينة.
تسمرت أمام القفص ،وانتابتنى مشاعر شتى .
ثمة شئ خفي يربطنا معا !!
أو لعله نفس الإحساس الذى يتملكنى، حين التقى بشخص ، لأول مرة ،و يشملنى يقينا،بأن ثمة صلة ما بينى وبينه ،وكأننانعرف بعض من قبل !!
لاحظت هى اهتمامى بها، فتحركت فى تؤده، حتى اقتربت منى.
أصابتني رعشة قوية حينما حدقت بقوة فى عينى.
كان بها جمالا ،وشموخا ،لا يخلو من غضب مشوب بحزن عميق.
شعرت بها، وكأنها تود أن تقول شيئا، أو تبوح لى بسر عظيم يؤرقها. .. جعلت أتفحص جسدها ببطء .
التفت إلى المسؤل عن رعايتها،ثم قال : هذا النوع من الشمبانزى ،متطور جدا، وهو يمتاز بالقوة والرشاقة.
قلت له : إنها تشبهنا تشابها شديدا، لا يفرقها عنا سوى الذيل.
ضحك المسؤل كثيرا إلا اننى أردفت : إنها تكاد تنتمى إلى عالمنا نحن البشر.
قاطعنى قائلا : ولكنها قبيحة جدا .
صحت به: بل هى أجمل وأعمق من معظمنا ،ربما كانت قاب قوسين أو أدنى من الولوج إلي عالمنا.
ارتسمت علامات التعجب على وجهه ثم قال : هل أنت من مؤيدى نظرية الارتقاء لداروين ؟!
أم أنك قد شاهدت كثيرا فيلم كوكب القرود ؟!
كانت نظرات الشمبانزى الحزينة ،تلاحقني، تبعث فى نفسى إحساسا عجيبا، هو خليط بين الخوف والدهشة.
أمسكت الشمبانزى بقضبان القفص، ورفعت رأسها لأعلى فى كبرياء شديد، دون أن تتوقف نظرات عينيها عن التوغل فى أعماقى .
قال لى المسؤول : يبدو أنك معجب كثيرا بها.
همست : قد يكون الإعجاب من طرف واحد.
أثناء سيرى مبتعدا عن القفص، كانت الشمبانزى تصيح بقوة، وكأنها غاضبة لانصرافى عنها.
حين استدرت بوجهى لأودعها ،كانت هى قد أولتنى ظهرها.
وللغرابة الشديدة ،أدهشنى عدم وجود ذيل لها !!

............................

تعليقات

جميل… الجملة الأخيرة بالنسبة لي حركت سكون القصة بعد المنتصف، جعلت القصة تبعث على التساؤل والحيرة المستندة إلى قاع الجمال.. تقديري أ. شريف
خالد سعيد الداموك
 
أعلى