شريف محيي الدين إبراهيم - امرأة بلا ملح

بات يسمعها ، ما لا تطيق سماعه، وأضحى يتعمد ازدراء كل ما تطهيه من طعام ،أو ما تقدم له من شراب .
تخلص من كل مقتنياتها القديمة التى كانت تعتز بها كذكرى لزمن ولى، أو لصديقة حميمة .
لم يترك لها من صديق أو قريب ،إلا وافتعل معه مشاجرة حامية أسفرت عن قطيعة شبه نهائية .... احتدت عليه مراراً. .. حاولت أن تكسر شوكة عناده. أخذته رفقا وعنوة. .. استعانت بكل معارفه فى محاولة منها لإصلاحه ، ولكنه ظل على حاله لا يقدر حبها وصبرها عليه.
ظلت الحياة ماضية بينهما فى صراع وجدال عقيم لا يفضى ،إلا لشقاق يعقبه نفور ثم قطيعة توشك أن تخلف كرها وفراقا. .. لما ضاقت الدنيا بها وأحكمت حلقاتها ،طلبت منه أن يحررها ...
صدمه قرارها. ..
صاح بها متعجبا : أنت ملكى ...كيف لى أن أتنازل عنك؟
ثم استشاط غضبا،و استحال وحشا كاسرا.
حملت حقائبها ،و ولت هاربة مذعورة إلى دار والدها .
لم ينصفها أحد من أهلها !!
حتي والدها أعادها بنفسه الي بيت زوجها وهو يتمتم: لن اسمح لك أبدا بخراب بيتك.
تملكها الحزن أصابها غم شديد ،وهى تشاهد زوجها يزدادأنانية ، وكبرا. قررت الذهاب إلى أحد المشايخ ممن ذاع صيتهم، وقدرتهم على حل المشاكل الأسرية.
طلب الشيخ منها ،بعد أن استمع إليها طويلا ، أن تتحلى بالصبر.
صاحت به : أرجوك يا سيدى ساعدنى .
نظر الشيخ الجليل إليها فى حدة ثم همس فى أسى : الأمل جد ضئيل، لتغيير مثل هذه النوعية من الرجال، إلا أنك الوحيدة القادرة على فك طلاسمه .
أقسمت أنها اتبعت كل الطرق، ما بين اللين والقسوة، الرفض والقبول، الاهتمام والازدراء، ،الوصل والهجر....

ولكن شيخها الجليل قاطعها غاضبا :أين إيمانك بالله ....أين ثقتك برحمته ؟
غادرت شيخها ،عادت إلى بيتها متعبة حزينة.
حاولت أن تنام. .
حاصرتها ذكرياتها المشبعة بالآلام...
أسقط فى يديها ولم تعد تدرى ماذا تفعل ..!!
فى صباح يوم جديد، أدركت أنه قد حدث بداخلها شىء عجيب !
لم يعد هناك ألم ،أو حزن !!
لم يعد هناك إحساس بأى شىء على الإطلاق .
صارت تلبى لزوجها كل أوامره بلا جدال. ..ولم تعد تطلب منه أى شىء قط !
حين يفتح معها بابا للنقاش ،لا تتورع عن تأييده الكامل لكل موضوع أو فكرة أوحتى مشروع هو يتبناه.
الأمر العجيب أن زوجها لم يفرح لما اعتراها من تغير عظيم .
بل تملكته حيرة شديدة !!
حاول عبثا إعادتها إلى سابق عهدها معه...
بات يفتقد كل معارضاتها ومشاكساتها،وتحرق شوقا إلى غضبها وشدتها معه!
فى داخل عالمها الجديد الذى صنعته، بعد معاناة وتدريب عظيم على كبح جماح نفسها ..
هناك صارت لا تغضب من تصرف سىء لأحدهم أو تحزن حتى على فراق حبيب !!
أضحت تأكل أى طعام بدون ملح على الإطلاق ،حتى الشراب الذى يقدم لها لابد أن يكون خاليا من السكر !!
بعد فترة قصيرة تفاقمت حالتها حتى حسبت نفسها كائنا هلاميا، لا لون له .. اصابت الدهشة أباها وبهت كل من حولها !!
غضب زوجها غضبا عظيما ، لم يعد يدرى ماذا يفعل ..!
توسل إلى أبيها أن يعيدها إلى سابق عهدها معه ،ولكنه نظر إليه فى سخرية مريرة ثم انصرف عنه دون أن ينبس .
أخيرا أخبرته إحدى صديقاتها المقربات بأمر الشيخ وناشدته أن يذهب إليه عله يعيدها إلي سيرتها الأولى .
عندما توجه إلى بيت الشيخ ودلف داخلا هاله ما رأى .....
كانت زوجته جالسة على مقعد وثير ومن حولها عشرات النسوة، وقد افترشن الأرض وهن يتطلعن إليها فى وجل ، بينما الشيخ، قد طفق ينحنى ليقبل طرف عباءتها فى خشوع راجيا، أن تتفضل وتمنح الجميع قبسا من نورها ،أو حتى بعضا من فيض سلامها.

..............................

تعليقات

قصة جميلة يا أستاذ Sherif Mohey ، وخطرت لي فكرة من خلال أحداثها المروية وهي : ليتك تسخر أحداثها في أنطلوجيا الرحلة بين النار والنور في قصة نبي الله إبراهيم وزوجته سارة ـ عليهما السلام ـ حين ذهبا إلى مصر والقصة الشهير التي حصلت لهما مع ملك مصر
أحمد إسماعيل زين
 
قصة رائعة ونفس وما سواها ولسنا اصنام لابد من التفاعل مع الحياة والا اصبحنا موتي في صورة احياء أ حيك قصة سيكولوجية واجتماعية بدرجة امتياز.

سهير شكري
 
أعلى