شريف محيي الدين إبراهيم - هل تستطيع أن تضحك؟!

هل تستطيع أن تضحك؟

لعلك تريد أن تبتسم!!

ولكنك تتريث.

تريد أن تفرح، ولا تعرف كيف!!

تتساءل ، لماذا هذه المسحة من الحزن الخفي؟!

لما ذلك الألم؟!

ذلك الصمت، الحذر الذي يستكين دائما في قلبك؟!

تريد أن تضحك...

تفشل...

تتساءل في عبثية :

هل أنا لا أقدر؟!

أم لا أعرف؟!



وفي النهاية تتملكك حالة من الشرود المطبق...

تحاول أن تسخر من كل شيء، تحاول أن تستهين بكل شيء، وكأن الزمن لا يعنيك، وكأن الحياة بكل صخبها، ووحشتها...

بكل قسوتها وجبروتها ولا مبالاتها، لا تعنيك !!

ولكنك في النهاية حين يأخذك الزمن على غرة، ويتقهقر بك لأكثر من أربعين عاما، وتتذكر ما تظن أنك لا تستطيع تذكره، حينها لا تقدر أن تمنع دمعة صغيرة، من أن تسقط من عينيك.

***. .

يقينا أن في داخلنا شيئا ما ، لا يختلف كثيرا عن ما بداخل هذا الطفل، ربما هو شيء لا يمكن وضعه تحت عدسة المجهر، أو قياس أبعاده المادية طولا، وعرضا!!

فهل سألت نفسك يوما، من الذي وضع هذا الشيء في نفسك؟!

حين شعر الطفل، في بداية عامه الدراسي الأول باستياء من جلوسه إلى جوار فتاة شديدة القبح، لم يتمالك نفسه، وحين عاد إلى بيته، تضرع إلى الله أن ينجده من تلك الفتاة، ولما سمعته أمه، انزعجت كثيرا.....

فكيف تكون هي ناظرة المدرسة ولا تستطيع أن تلبي طلب ابنها، التلميذ في نفس مدرستها؟!


فى اليوم التالي، تحديدا في منتصف الحصة الأولى، اقتحمت الناظرة فصل ابنها الدراسي، وانتحت جانبا بمعلمة الفصل....

جعلت تتحدث معها بصوت ظنته خافتا، بينما هو في الحقيقة كان مسموعا لكل تلاميذ الفصل :

ابني ليس سعيدا لجلوسه إلى جوار تلك الفتاة الدميمة.

على الفور هرعت المدرسة إلى ابن الناظرة، ثم طلبت منه في رفق أن ينهض ويحمل كل أدواته.

نظر الطفل إليها في خجل إلا أنها أردفت :

أية فتاة تفضل الجلوس إلى جوارها؟!

ارتبك الطفل الذي لم يتعد عمره ستة أعوام، شعر بخجل شديد، وحين التفتت الفتاة الدميمة إليه وهي ترتجف قائلة في رفق : هل صدر مني شيء ما ضايقك ؟!

كان يدرك أنها سمعت أمه وهي تنقل شكواه وتذمره من جلوسه إلى جوارها بسبب دمامتها وقبحها.

كان يغوص في خجله ويتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه.

أدرك الطفل أن زميلته مجرد طفلة رقيقة، تتعامل معه بكل الود والحب.

تذكر أنها منذ لحظات قصار كانت تحاول أن تقتسم معه ما معها من ثمار الفاكهة.

نظرت الفتاة في عينيه بقوة وهي تردد:

قل لي يا صديقي ما الذي يسيئك في هذا المكان؟!

تمنى لو أنها بكت،تمنى أن تخرج ما بداخلها من ألم أو حزن، ود لو صاحت به قائلة :

كيف تصفني بالقبح ؟!

أراد حتى لو أنها ثارت لنفسها وسبته، أو حتى ضربته ،ولكنها لم تفعل أي شيء من هذا، بل كانت تتصرف معه بكل لطف، رغم علمه أن كلماته التي نقلتها أمه إلى المعلمة، وسمعها كل زملاء الفصل، قد شطرت قلبها إلى نصفين....

لماذا هي لا تبكي؟!

لماذا هي لا تظهر أي علامات غضب أو ثورة؟!

لماذا لا تخلصه من هذا العذاب وشعوره بالذنب تجاهها، وتقتص منه حتى وإن أخرجت أسوأ ما فيها، فلتصفعه بيديها الصغيرتين أو حتى تلقى في وجهه بكتب ودفاتر المدرسة؟!

يا ليتها تنعته هو وأمه بالسوء، فهي إن فعلت لأراحته كثيرا،لأنه أيقن أنه بالفعل الأكثر دمامة وقبحا.

للأسف هي لم تفعل ، وظلت تطلع إليه بعينين دامعتين....



كررت المعلمة سؤالها في رتابة :

أي الأماكن تفضل الجلوس فيها ؟!

لم يستطع أن ينبس بكلمة.

جعلت أمه ناظرة المدرسة، تنظر إليه في دهشة، ثم اقتربت منه ومالت على أذنه قائلة :

ماذا بك، لماذا لا تتحرك من مكانك؟!

تطلع الطفل إلى أمه في غضب مشوب باستياء مفرط ثم صاح بها :

من قال لك أنني أريد أن أغير مكان جلوسي؟!

هذا مقعدي المفضل .



مضت سنوات طويلة على هذه الواقعة.

ولم يستطع الطفل يوما، أن ينسى هذا الموقف!!

لم يمكنه أن يمحو من ذاكرته نظرات زميلته الجميلة الصغيرة.... نعم الجميلة جدا،و جدا، وجدا!!

ولم يقدر أن يغفر لأمه، أو حتى يسامح نفسه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى