د. سيد شعبان - مغامرة..

وضعت عطرها ذا الرائحة المثيرة، ارتدت ثياب الصيف التي تشب منها فتنة عارمة، رغم أنها تجاوزت الأربعين ، لكنها لا تهتم إلا بنفسها.
صباح هذا اليوم مختلط بحزن شديد، الدماء التى نزفت على قضبان الحديد في عبث مثير قل أن يوجد في بلد آخر، حتى وجدتني أكره ذاتي، رائحة كريهة توشك أن تعم كل الأمكنة، الأفكار مصابة بالمس، الوجوه في حالة من كآبة.
حاولت أن ألفت انتباهها أن ثمة أناس ضربتهم مصيبة الموت المجاني، لكنني تراجعت، لا أدري لم فعلت هذا؟
هل لأنني أريد وجها آخر للحياة أنظر فيه ما تخفيه عني؟
تساءلت في مرارة وهل يظل التربي حزينا طيلة نهاره؟
الأطباء ينظرون للموتى على أنهم حالات لا تعدو أكثر من أرقام يضعونها في سجلات المشفى!
وتستمر الحياة حيث تضج الأسرة بالليل بحركة مثيرة،أصوات تتأوه وهكذا تمضى معزوفة الحياة.
لست متبلد الشعور، فحجم الآلام التي مررت بها في حياتي تناهز الجبال التي تسكنها الغيلان المترصدة بالوطن وترفع كل آونة راياتها السوداء، يهددوننا بالموت ومن ثم يرفعون راية التوحيد، إما أن هؤلاء عملاء أو أننا بلهاء؛ لو تركناهم يحاصروننا بالفناء.
لعنة الله على من دعشن الممرات والطرق والأقبية، صحف اليوم ذات عناوين حمراء يقطر منها الدم، يا لغباء عامل التحويلة، يرتشف كوبا من الشاي ممزوجا بالنعناع، وشبح الموت يخيم على المكان كلما ثمل بالصور العارية التي تملأ هاتفه النقال، بالفعل نحن فقراء في التفكير، لكن للشهوة نارا تضرم في أجساد نخرها السوس!
هذه الأفكار بالفعل مصابة بالجنون، مثل هذه المرأة التى تعودت أن أراها كل يوم، إنها تحرك في رغبة حمقاء، جعلتني أشتهي أن أمسك بشعرها الحريري ذي اللون الأصفر،ترددت كثيرا في فعل هذا، سينهال الواقفون في محطة الأتوبيس بالتأكيد علي ضربا، الشرطي المخمور بمشاهدة العابرات بعين وقحة يدفع بي للقيد الحديدي وأتوارى في زاوية النسيان المعتمة تتحرك فيها الجرذان والحشرات التي ستتراقص على جسدي،عوض أن أراها تتمايل أمامي في رغبة مجنونة، زوجتي هي الأخرى ستتبرأ مني.
لكنني تماديت في عالم تحركه المغامرة، كل ما علي أن أقترب منها، يكفي هذا اليوم أن أجلس جوارها في الحافلة،هممت أن أدفع لها ثمن تذكرة الركوب، تذكرت أنه لم يعد معي غير خمسة جنيهات يتيمة، أخدع بها صراف الحافلة، تكفي كلمة" مصلحة"!
هذه المرة لسوء حظي تبدل الصراف بآخر ذي عين مخاتلة رمقها في رغبة مجنونة، لا بد له أن يزيح غريمه، طلب مني أن أخرج بطاقة هويتي، كانت مفاجأة لي، لم أعتد حملها، لا حاجة بي لهذا، فأنا ممن تقرأ أفكارهم من ملامحهم، وديع بل مواطن يصدق ما يسمعه في نشرات الأخبار من أنباء تقدم الوطن، حمى الله كل من وزع الأماني للذين أشرفوا على الآخرة.
لكنها أمسكت بي في إصرار عجيب، أخرجت بطاقة هويتها الممغنطة، استدار الصراف في لمح العين، نظرت إلي في زهو، أشعرتني بعجزي، أمسكت بيدي، كأنها تعرفني، أو أن أحدنا يمتلك الآخر، على كل تبعتها في طريقها، المغامرة التي حاولت تجربتها انقلبت حقيقة لا مهرب منها.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى