د. سيد شعبان - عائلة في الشارع

في بيتنا قطة سوداء؛ صارت ذات نفوذ؛ همت أختي بطردها؛ سيما وأنها تسرق أشياءها، أفقدتها ثوبها الأرجواني؛ جعلت منه كرة تتقاذفها وتركلها فترتب على ذلك أن كسرت آنية الطعام واحدا وراء الآخر؛ تذمرت أمي من هذا الكائن الذي ضرب نظام البيت دون اهتمام بما نحن فيه من عنت، تموء في ساعة متأخرة من الليل؛ نصاب بالهلع، لم تكتف بهذا؛ جاءت بقط أبيض، احتاجا لمكان يأويان إليه، انتفخت بطنها؛ ستأتي بصغار يزاحموننا في ذلك المسكن. مؤكد لن يمر الوضع دون عراك بيننا وبين القطة السوداء وصغارها، للسيطرة على حجرات البيت، أخذت تموء الصغار في أوقات متقطعة؛ أقلقت نومنا، بتنا في ضوضاء لا تنتهي.
جربنا كل الحيل التي من شأنها أن تساعدنا في أن نخرج القطة وعائلنها، فكر أبي في أن يأتي بقطة بيضاء؛ فالقطط لا يحب بعضها بعضا، على غير التوقع؛ تآلفوا، بات من المستحيل تحمل هذا.
انتقلنا إلى الشارع نمضي فيه أكثر ساعات اليوم، فهو أكثر اتساعا، لكنني جربت حيلة ماكرة، أحضرت طعامي، وهبتهم أشيائي، رسمت لهم لوحات جميلة، كتبت لهم معلومات بها بعض التحذيرات؛ اللبن ضار بالصحة، هواء الشارع أكثر فائدة للصغار؛ دور السينما تعرض أفلاما للقطط والفئران.
استجاب الصغار لحيلتي؛ اعتادوا التسكع في الممرات الخلفية، الإناث منهن صرن مولعات بالزينة؛ تقول أمي: إن العشق يظهر في احمرار الشفاة، لم تعد أختي تجد ملابسها، كل ما كان عندها صارت تنعم به تلك الحيوانات الأليفة.
القطة السوداء كانت داهية؛ سرقت أقلامي وفرشاة الألوان، ملت الصغار من لوحاتي القديمة.
أخفت السوداء مفتاح البيت، حدث هذا حين خرجنا نشتري ملابس العيد، لم نجد بدا من المبيت في حجرة السلم، تنظر إلينا القطط في تشف عجيب؛ إنها تجيد تسلق الحوائط، هزئ بنا الجيران؛ العائلة التي هزمتها القطط.
تسامعت القطط القاطنة في شوارع المدينة بذلك الفخ الذي نصب لنا؛ ﻷول مرة يمتلكون بيتا، ليس عجبا أن تساندها جمعيات الرأفة بالحيوان.
برامج التلفاز - وما أكثر الرغي فيها- وجدتها مادة مسلية؛ ركاب المترو صارت جيوبهم خاوية، ما يزال في الجعبة الكثير، المولعون بالتشفي يرون مكرا تدبره جهة ما، يجب علينا أن نتصالح مع تلك القطة، نتقاسم معها البيت، سنعرض عليها أن تسمح لنا بملء الآنية بالماء؛ نستخدم المرحاض، شرط أن نعلن أن القطة السوداء وهبت حكمة علوية؛ كل ما في الأمر أننا خدعنا من حيث لا ندري.
تصدر صحف الصباح بأخبار ما فعلته القطة السوداء؛ نساء الأحياء الراقية وجدنها فرصة لشغل الفراغ الذي يعشن فيه، بدأن بعمل صالونات فنية وحفلات موسيقية، ارتدت القطة السوداء ثوب أمي الذي احتفظت به منذ تزوجت أبي، تخطو في تدلل، لم يعد لدينا ما نفعله غير تجهيز الطعام للقطة السوداء وصغارها.
لم نكتف بهذا بل نعد لها قائمة ببرامج التلفاز المسلية.
هذه قطة غريبة لاتهتم بالأزياء التي تملأ المحلات تطالع أحدث ما تقدمه دور الموضة العالمية.
يبدو أن لديها شغفا بممارسة السياسة؛، وضح ذلك جيدا حين أدارت مؤشر الإذاعة جهة محطة البي بي سي تتراقص على دقات ساعتها الشهيرة.
ذات مرة جاءت إلينا مذيعة من التلفاز تضع رتلا من المساحيق وتنظر كثيرا في مرآة حقيبتها، أظافرها تكاد تقطر دما.
وجهت إلي سؤالا: لم لا تجضرون لهذه القطة العظيمة قطا يلعب معها؟
لم أشأ أن أخبرها بأن الذكور في تلك البناية ينامون مبكرا ويغطون في نوم عميق، لذا تحذر جهة مسئولة أننا في خطر!
حين سمعت أمي هذه العبارة أخذت في البكاء تبعتها نسوة البنايات المتلاصقة، يدأت الأقاويل تنتشر في كل ناحية أن القطة تحمل شفرة السلاح النووي، لأجل أن نتحاشى خطرها فرض حاكم المدينة على كل جزار أن يوزع نصف ذبيحته، محلات الشواء والمطاعم تغلف وجبات مجانية بعلامة القطة الجميلة، لم نكتف بهذا صارت أكبر عائلة في المدينة تحمل لقب القط.
تماهيا مع إرضاء تلك المخلوقات الوديعة صار منتهى الاحترام أن يسبق لقب الواحد منا السيد قط!




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى