محمد مزيد - الارملة.. قصة قصيرة

كلما ضاق صدري ، وتوقفت لديّ ، حاسة الجمال والأريحية ، أركب دراجتي الهوائية وأنطلق الى مرقد " السيد برهان " لأجلس في حديقة المقبرة الواسعة ، حديقة غناء جميلة وارفة الظلال ، جذور أشجارها ، اتصورها مغروزة في صدور الموتى ، هناك اتأمل الجمال والطبيعة والبشر الذين يزورون موتاهم . في هذا اليوم ، كنت جالساً وحدي على المصطبة ، فاذا بأمرأة تبدو شابة في الاربعين من عمرها ، ترتدي السواد ، يكشف ثوبها عن ساقيها البيضاوين تضع باقة أزهار على قبر ، دفعني الفضول لأقترب كثيرا من هذه الفاتنة التي تجلس وحدها على صخرة ملساء ، رأيتها تتحدث مع القبر ، هالني منظرها المثير للحزن .. ترى ماذا تقول لصاحب القبر ؟
أنشرحت أساريري ، لمرآى الجمال وهو يحاور الموت ، فأنبثقت فكرة قصة قصيرة مفتتحها يقول " ماذا فعلت بي حينما غادرتني ايها الحبيب " .. سمعتُ كلمة الحبيب قد رددتها المرأة اكثر من عشر مرات ، قلت في نفسي لابد أن عقلها غير مستقر ، او هو يتجه الى الجنون ، امرأة بهذا الحداد القهري ، وبهذا الجمال الجسدي ، لابد أن تصاب بلوثة في عقلها ، خصوصا اذا كان الزوج المدفون حبيبا . تجهّم وجهها بعد لحظات من توقفها عن الكلام ، ثم أخذت تبكي بمرارة وبصوتٍ مبحوح " بعد روحي لماذا تركتني ، من يمسد على شعري وظهري آواخر الليل " ، أنبثقت الحوسة في داخلي، حينما وصلنا الى مستوى الظهر ، تصاعد أهتمامي بتحويل المرأة الجاثية على القبر الى قصة، ولجأت الى خيالي أتتبع سلسلة حياة المرأة قبل وفاة زوجها ، لديهما محل لبيع الملابس في أحد شوارع المدينة التي أسكنها ، تصورتها امرأة تشبه ملكة النحل، وهي تعمل في المحل ، تنظّم البضائع وتفرش الألوان على مساحته الكبيرة ، تضع الملابس ذات اللون الاحمر بجانب آخرى ذات اللون الاسود ، تعلم إنها بهذا التشكيل البصري تجذب نظر الزبائن أكثر من توزيعها بشكل عشوائي ، لا تغضب على عاملاتها إذا ما وجدت أحداهن تقلم اظفارها في زاوية من المحل ، تتابع زوجها الذي يجلس خلف منضدة الحساب ، وهو يراقب الداخلات والخارجات من النساء المتبضعات بعيني متمرس على التلصص، تعرف إنه يشعر بالسعادة حينما يبحلق بالصدور والافخاذ العارية والوجوه النضرة الجميلة ، لا تعبأ بنظراته المزعجة ، فهو مُلكها آخر الليل ، ليس لديها الوقت لتغار من النساء ، فهو يؤدي عمله الديكوري الذي وضعته فيه ، فالمحل الذي كان صغيرا باموال والدها صار محلا كبيراً بمرور السنوات ، لا طفل لديها يشغل إهتمامها ، قالت له ذات ليلة ، أنت طفلي الوحيد المدلل يا حبيبي ، دعنا ننهض بإنفسنا في سوق المنافسة ، أنا أصمم الازياء ولدينا عشرات الخياطات الماهرات من اللواتي يمكن شراء مواهبهن ، أريدك أن تساعدني في مراقبة زبونات يظهرن بإشكال جميلة، لكن في دواخلهن سارقات محترفات . يحب زوجها روحها العملية الواقعية، وكان ذلك ، حسب ظنه ، ثغرة يمكن خرقها بسهولة ، يحب ذلك في سلوكها للوصول الى غاياته ، فهو في الثلاثين من العمر، يشعر إنه لايكتفي حتى وهو في أوج العطاء الجسدي مع زوجته الفاتنة . ولم يحسب لليوم الذي ستلقي عليه القبض وهو في قمة خيانته ، لذلك ، أستمر في التماهي مع أحداهن من العاملات الجميلات، حتى ضبطته متلبسا بالاجواء الحميمية ، ولكن أين ، هذا ما آثار حفيظتها ونقمتها ، وجدته في فراش الزوجية داخل المحل، حيث أعدّت هناك غرفة للاستراحة يقضيان فيها مدة لتناول الغداء سوية ، بعيدا عن العاملات ، وأحيانا ، تصعد عنده الهسهسة فيطلب منها ممارسة الحب قبل الغداء ، فلا تتردد من أن تبدي أستعدادها فورا ، ثم يرتويان ، في ظنها إنه ، بعد ذلك ، سيّكف عن ملاحقة الوجوه الجميلة، حينما تُشبع نهمه. لكن ملكة النحل ، لا تقبل أن يخونها ذكرها ، لذلك تقتله ، هكذا وضعتُ نهاية لقصتها ، في خيالي طبعا ، وهي تنهض من القبر بعد أن مسحت دموعها بيدها اليسرى ، ناولتُها منديلا أبيض وساعدتها في النهوض وأنا أسير خلفها ، أتجهت هي الى سيارتها الحديثة التي ينتظرها عند باب السائق شاب جميل ووسيم .. وأنا أسير الى دراجتي الهوائية التي ركنتها الى شجرة مغروزة جذورها في صدر أحد الموتى .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى