د. سيد شعبان - قمر تائه..

تدوي صافرة قطار الدلتا بما يمور داخله من كائنات، يترقب كل واحد محطة المغادرة، وحدها لا باب خروج يشهد خطوتها الأخيرة، تظل تفكر في مصيرها، صباح غامت شمسه وراء ظلال الأحزان التي استبدت بها مثل سياط القهر التي شوت ظهرها، كان جلادا بكل ما تحمله الكلمة، لا تعلم هل كانت زوجة أم جارية، كل ما تبقى لها ذلك اللقب الكريه" الهاربة".
العيون تترصدها، في كل مكان له ألف واش، حتى لتخشى أن تكون العصافير ساعة خرجت من ذلك البيت الزاوي في عتمة الزمان ترقبها.
تلفتت وراءها؛ صرير الباب بوشك أن يفضحها؛ وهل كتب عليها أن تظل جارية تعمل في ساقية خربة، تمردت بعدما رأت أن طيف أمها بدأ يشاغلها، في هذه البلاد تأتي الأموات لتسامر في ليالي الذل، يتشبع الحزاني بفيض ذكريات تشخص عند منعطفات الحياة.
أكل شبابها واستبد بها سنوات صباها، لم ترزق طفلا، عودها يتمايل مثل أشجار السرو في استعلاء، تضج الأنوثة من وجه تلبسته فتنة الأنثى، كل النسوة يغرن منها، الحمراء ذلك اللقب الذي عرفت به، إنهن يشبهن الرجال، نحولة وعجز، وحدها تمشط شعرها فيبدو مثل أغصان الصفصاف، تفوح رائحة الياسمين من بين أهدابها، لا تضع عطرا، بل لا تعرف زينة؛ فلقة القمر هي!
يغلق عليها الباب فلا تغادر البيت؛ يغار عليها، تلهفت العيون أن تراها، أطاروا عقله بتلك الوشايات، كل مشتاق كاذب، يحاولون فيعجزون، أحكم غلق الأبواب، جن بها، إنه لا يرى غيرها.
تمنت أن لو كانت عاطلة من ذلك الطلاء الزائف؛ أن تكون سوداء ، أو حتى عجوزا، لا يلتفت الرجال لضامرات الثدي، إنهن أعجاز نخل خاوية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى