محمد مزيد - المضيفة والبصل الاخضر .. قصة قصيرة

تم سجن المضّيفة " رباب " مدة عشرين سنة، بسبب قولها جملة أثناء رحلة بيونس آيرس ـ بغداد . المضيفة العراقية رباب على قدر عالٍ من الجمال، ككل المضيفات الجميلات على متن الخطوط الجوية العراقية، وتتميز بفطنة ونباهة عالية فضلا عن ثقافتها الكبيرة في معرفة المدن وعادات الناس وأنواع الأطعمة التي يتناولنها، كما إنها حين تضحك، فأن موسيقى سماوية تمطر على السامعين، فتبتهج أرواحهم، ويسرح خيالهم في مراعٍ من الشبق والأسّرة الدافئة، ويتمنى بعض الرجال لو أن صاحبة الضحكة هي زوجته، بدلا من الزوجة التقليدية التي معه، حتى أن رجل الامن، الذي مسكها بقبضته الخشنة من ذراعها كاد أن يبول على نفسه من رقة ذراعها وجمال قوامها.
والحكاية تبدأ من بيونس ايرس، إذ حاول مساعد كابتن الطائرة أن يفاتح رباب بالحب الذي اكتوى به ، بسبب جمالها ورقتها وعذوبتها، ولم يجد مكانا افضل له للبوح بالحب سوى مقهى قريب من الفندق الذي تسكنه طواقم الطائرات التي تبيت في العواصم ليلة واحدة للمغادرة في اليوم التالي ، وجدها جالسة وحدها تتناول عصيرا وتتأمل حركة الناس والعشاق في تلك العاصمة التي وصفها احد الصحفيين العراقيين ذات يوم حين زارها مع وفد وزاري ، بانها ليست مدينة بل عبارة عن غرفة نوم ضخمة ، حيث يتبادل العشاق العلاقات الحميمية تحت الاشجار وعلى الطرقات من غير ان تقطر منهم قطرة حياء واحدة. في ذلك الجو الشاعري، اقترب مساعد الكابتن من محبوبته وجلس بجانبها بدون استئذان ، وبعد حديث قصير عن جمال بيونس آيرس ، قال لها " أحبك " تورّد خدا رباب ذات الوجه الحنطي بالحمرة ، ماذا عساها أن تقول وهي تراقب موجات من العشاق في كل مكان، خجلها منعها من التصريح له بمشاعرها ولكن جزءا من داخلها كان يقول لها : نعم أقبلي به إذا كانت نواياه تتجه الى الزواج .
في اليوم التالي، وبعد أن انطلقت رحلة الطائرة العراقية العائدة الى بغداد ، جاء أمر للهبوط في روما لان السفارة العراقية هناك طُلب منها ابتياع شيئا ما ، وهبطت الطائرة في روما في رحلة كانت سعيدة ومبهجة الى رباب بسبب مراقبتها أنفعالات مساعد الكابتن وهو يبتسم لها بين حين واخر .
مرت ساعة قبل أن يأتي موظف السفارة حاملا كارتونا مغلفا أعطاه الى رجل الامن في الطائرة، وما أن مرت دقائق معدودة حتى طارت الطائرة، وبسذاجة وبراءة ومرح سألت رباب رجل الأمن عن الحاجيات التي في العلبة التي توقفت الطائرة بسببها طوال هذه الساعة ، فقال لها لا أعرف ووضعت العلبة في مكان قريب من القمرة ، بقي الفضول يأكل في أحشاء رباب حتى أقتربت من تلك العلبة، وفتحت غلافها لتعرف ماذا تحتوي، في تلك الاثناء التي كانت فيها تفتح العلبة راقبها رجل الامن ووجدها تنظر الى الحاجيات داخل العلبة ، كانت عبارة عن باقة بصل أخضر يحبها الرئيس على مائدة العشاء، فقالت جملتها الخطيرة" صدك جذب، توقفنا ساعة من أجل بصل أخضر ايطالي " .
ولما وصلت الطائرة الى بغداد، ونزل الطاقم منها، وقبل نزول رباب من الدرج الى الارض، مسكها رجال الامن واقتادوها الى سيارة مظللة باتجاه القصر، وبعد شهرين من التعذيب، حكمت عليها محكمة الثورة بعشرين سنة سجن، لانها سخرت وهزأت من رمز الدولة، أشد ما سبّب لها الالم، أن خطيبها المزعوم مساعد الكابتن لم يسأل عنها قط، ولما شعر النظام بدنو سقوطه أطلق سراح المجرمين من كل السجون بالعفو العام، وأطلق سراح رباب، ذهبت الى المطار للبحث عن حبيبها ، ولما عثرت عليه جالسا في أحد مكاتب الطيارين أدار وجهه عنها ، كانت تريد أن تسأله عن الذي وشى بها، ونقل تصريحها الخطير، عن باقة بصل الرئيس، لكن الحبيب المزعوم ولى هاربا.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى