السيد الطنطاوي - أول القصيدة كفر!!.. قصة قصيرة

جلس الشاعر أمام ديوانه الذي صدر حديثا، بعد أن حفيت قدماه بحثا عن ناشر ابن حلال، يوافق على طباعة هذا الديوان وترويجه وتسويقه، فهو يرى أن أمله وأمل حياته، سيكون في هذا الديوان إن تم توزيعه بطريقة صحيحة، وقرأه الناس بعد أن يشتروه ويخطفوه من على أرفف المكتبات أو من محلات معرض الكتاب، ولذا يجب وضعه في مكان بارز، ليشاهده ويقبل عليه زوار المعرض المتسكعون في جوانبه!!، وجلس يفكر ويفكر، وأخذه التفكير بعيدا في دنيا أخرى غير هذه الدنيا وقال في نفسه: إن انتشر هذا الديوان العظيم، وبيعت النسخ كلها أو معظمها، وطبعت منه طبعات أخرى، فوقتها لن تسعني هذه الدنيا بأكملها من الفرحة، وسأعمل ليلة ولا الليلة الكبيرة التي عملها عمنا الشاعر الكبير صلاح جاهين بعد نجاح ديوانه، وأخرجها له المخرج العظيم صلاح السقا، ووزع فيها اللحمة والرز والشربات، وقام بالإسهام في طهور سبعة أطفال من البلد والبلاد المجاورة.. فهي كانت فرحة كبيرة وصرف عليها كثيرا، وإذا لم أتمكن من عمل الليلة، معلهش ممكن أعمل حفلة في البيت أو النادي، أدعو إليها الأصدقاء من الشعراء والأدباء والكتاب، ويمكن أن أقدم لهم عشاء دسما أيضا وشربات، فأنا لست شاعرا بسيطا أيضاً.

بعد مرر فترة على طباعة الديوان، بدأ شاعرنا الجديد يتصل بالناشر، ويسأله عن حجم المبيعات، أو يخطف رجله لغاية مكتب الناشر ليستفسر منه، أو يذهب إلى المكتبات التي وزع فيها ديوانه ليعرف حجم المبيعات وأين وصلت؟ حتى يستطيع أن يأخذ نسبته المقررة من الناشر، ويفي بوعده وعهده الذي قطعه على نفسه بأن تكون الليلة التي سيحتفل فيها مع أصدقائه بألف ليلة وليلة، ولكن مرت الأيام وبسؤاله الناشر عن مبيعاته يرد عليه أن المبيعات ليست على ما يرام، معللا ذلك بأن القراء يبحثون عن الروايات والقصص القصيرة وحكايات الأدب الساخر، والناس مش ناقصة وجع دماغ!!، فالقصص والروايات سوقها رائج وهي التي تمشي مع القراء ومع الناشرين في هذا العصر، فاختلاف الأذواق جعل القصة والرواية ديوان العرب بدلا من الشعر.

رجع صاحبنا مهموماً مغموماً، وكان يشق عليه عدم استطاعته إقامة الليلة أو الحفلة، وكاد يبكي من هذا الهم الثقيل، الجاثم فوق كتفيه وصدره، ويكاد يحطمه ويهشم عظامه.. وهو في طريقه إلى البيت اشترى صحيفته التي يداوم على قراءتها يوميا في الليل، ويضع فيها همه وغمه وكربه، وجلس على أقرب كنبة ليتصفح أبواب صحيفته ومقالاتها وموضوعاتها، وفجأة وقع بصره على مانشيت في الصفحة الثقافية عن مصادرة رواية لأحد الكتاب العرب البارزين، لأن بها ألفاظا تخدش الحياء العام، ولا يجوز نشر هذه الرواية بين الشباب والفتيات، وأنها يمكن أن تقع في أيدي الصغار فيقرؤونها، وساعتها لا ينفع الندم على الماضي اللي فات والبكاء على اللبن المسكوب، وضياع الأخلاق التي تعب في تأكيدها الآباء والمدرسون والحكومة، وأفتى العلماء من على صفحات الجريدة، أن مصادرتها سيكون خيرا للأجيال القادمة والأجيال الماضية وكل الأجيال!!. وفي اليوم التالي وهو يتكلم مع صديق مقرب له أخبره هذا الصديق أن الرواية التي طالبت الجهات المعنية بمصادرتها بيع منها أكثر من 90% وأن الباقي وهو 10% تمت مصادرته، وأن الناس تهافتت عليها وتزاحمت على المكتبات التي تقوم ببيعها، وكأنها تقف في طوابير العيش أو أمام جمعية تعاونية تبيع اللحمة بسعر أرخص مما يبيع به الجزارون، وأن الناشر بدأ في طبعها مرة أخرى سرا، وأن ناشرين من لبنان وقبرص ودول عربية اتصلوا بالكاتب ليأذن لهم بطباعتها وتوزيعها، والبعض الآخر طبعها دون استئذان وبدون إحم ولا دستور.

ظل صاحبنا يتقلب على فراشه، كأن جمرات من نار اشتعلت في الفراش وعلى السرير، تلسعه في جنبيه، وإذا تقلب تلسعه في ظهره وبطنه، فكانت اللسعات تأتيه في أي مكان، وفي أي وضع ينام عليه، ولم يستطع ساعتها أن ينام على الجنب الذي يريحه، ولم يهنأ بليله إلا بعد أن بدأت الشمس في الشروق، ونظر في ساعته وقال في نفسه ما زال الوقت مبكرا جدا. بعدها بفترة قام من فراشه ودخل الحمام ليغسل وجهه، وخرج ووقف في الشرفة، ثم نظر في ساعته مرة أخرى، وكان مغتاظا لأن الوقت يعانده، ولا يريد أن يمر بالسرعة التي يمر بها في كل يوم، وسأل نفسه: لماذا تقف الساعة ضدي في هذا اليوم وتصر على إغاظتي؟.

وعندما بدأت عقارب الساعة تتجه نحو الثامنة والنصف قفز على التليفون قفزة رجل واحد، كأن هذه العقارب لسعته، وأمسك بسماعة التليفون كأنه قبض على معصم أحد اللصوص أو قطاع الطرق، واتصل على رقم مكتوب في أجندته، وانتظر على أحر من الجمر الذي أحسه وشعر به خلال تقلبه في الفراش أمس، حتى جاءه الرد أخيرا..

صوت على الجانب الآخر: السلام عليكم..

الشاعر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الصوت: خيرا يا أستاذ هل من خدمة نقدمها لكم.

الشاعر: في الحقيقة أنا فاعل خير.. وعايز ...

الصوت: وماذا تريد يا فاعل الخير.

الشاعر: أريد أن أبلغ عن ديوان شعر، يباع في السوق وفي المكتبات، وفيه كثير من المغالطات الدينية والإسفاف والبجاحة وقلة القيمة، وبه من الكلمات الإباحية ما يندى لها جبين القراء، ويمكن يكون فيه كفر أيضا.

الصوت: يا خبر أسود، الله يخرب بيوتهم همه مش عايزين يجيبوها البر ولا إيه.. ممكن تقول لي اسم الديوان وأين يباع ، ومن المجرم التافه ابن التافه الذي قام بوضع هذا الديوان.

الشاعر: أنا...

الصوت: إنت إيه يا بني..

الشاعر: أقصد .. أنا سأقول لك على كل البيانات والمعلومات اللي فضيلتك عايزها.

الصوت: والله كتر خيرك يا بني .. وما دام فيه ناس بهذا الشكل يبقى الدنيا بخير.

الشاعر: أشكرك شكرا جزيلا، ومن فضلك خذ البيانات بسرعة واعملوا اللازم لأني مستعجل..

الصوت: مستعجل على إيه يا بني.

الشاعر: قصدي.. مستعجل على أن تمنعوا هذا الفحش من القول، والبذاءة من الكلمات، التي تنضح بها صفحات الديوان.

الصوت: بارك الله فيك يا بني وفي أمثالك.

الشاعر: اتفضل يا مولانا البيانات والمعلومات كلها، وخذ كمان بعض الأبيات الشعرية التي فيها الكثير من الألفاظ التي تخدش الحياء العام والخاص.

في اليوم الثاني وفي المجمع الديني.. وقف الشيخ عبد البر المنوفي أمام مكتبه وأمامه مندوب جريدة "نهاية المشوار" الأستاذ حسن أبو طريق، الذي سأل الشيخ بعض الأسئلة والاستفسارات، لعمل تحقيق صحفي حول استهتار الشباب والفتيات بالقيم الأخلاقية، وبعد الانتهاء من أسئلته والحصول على الإجابة اللازمة عليها من الشيخ، قال له الأستاذ حسن: ما فيش أخبار جديدة أو قضايا تنفع للنشر في الجريدة، بدلا من الأخبار الباردة اللي بننشرها اليومين دول.

رد عليه الشيخ عبد البر: عندي ليك خبطة صحفية ما فيش واحد من الصحفيين من الجرايد التانية أخدها، وانت الوحيد اللي ها تنشرها في جريدتك؟.

الأستاذ حسن: يا ريت يامولانا أنا بقالي شهر ما نشرتش قضية عليها الطلى، ونفسي يبقى فيه خبر انفرد بيه من زمان.

الشيخ عبد البر: الخبر ده حصلت عليه من مصادر خاصة، ويا ريت تفرده على كام عامود وصورتي تبقى موجودة كمان.

الأستاذ حسن: حاضر يا مولانا انت بس تؤمرني واحنا ننفذ.

الشيخ عبد البر: الأمر لله وحده.. شوف يا سيدي آل إيه.. فيه شاعر طالع في المقدر جديد، نشر ديوان ويباع حاليا في المكتبات، ووجدنا فيه كلمات وألفاظ إباحية، وألفظ تحض على الفسق والكفر والعياذ بالله.

الأستاذ حسن: والله خبر كويس يا مولانا دا هيكسر الدنيا، ومش بعيد يصادروا الديوان ويقبضوا على الناشر والشاعر، ويحاكموهم كمان.

الشيخ عبد البر: لأ يا سيدي الخبر مش كويس.. دا خبر مهبب وإحنا عايزين ننضف المجتمع من أمثال هؤلاء، الذين يريدونها سبهللة ويبررون الإباحية، ويريدون إبعاد الناس عن الفضيلة.

الأستاذ حسن: أعطني الخبر يا مولانا، وسترى بنفسك حجمه، وهو منشور في الجريدة وصورتك منورة.

الشيخ عبد البر: اكتب يا أستاذ حسن، "تم ضبط ديوان شعر، لأحد الشعراء الجدد يباع في المكتبات العامة، وهي مكتبات ملك للشعب وليست ملكا لأحد غيره، وتقع هذه المكتبات في أماكن يتردد عليها الكبير والصغير والشاب والفتاة، مما يؤثر عليهم سلبا في أخلاقهم وفي عاداتهم وتقاليدهم..."، واكتب عندك بعض الأبيات التي تنضح بهذه المهازل التي صورها الشاعر في ديوانه.

الأستاذ حسن: قول يا شيخ عبد البر أنا سامعك كويس.

الشيخ عبد البر: سأسمعك بيتين من هذا الديوان، يقول الشاعر يا سيدي:

ألا ليت الوزير يعود يوما فأحدثه بالأسرار

وأتعلق في كتفيه وآكل الممبار!!

شوفت الكلام غير اللائق يا أستاذ حسن، والذي ينبئ عن نية خبيثة وسيئة.

الأستاذ حسن: جميل يا مولانا.. أنا حاسيبك دلوقت وسأذهب للجريدة لأكتب الموضوع، وأنشره غدا إن شاء الله.

الشيخ عبد البر: مع السلامة يا أستاذ حسن.

وفي الصباح الباكر استيقظ الناس على قضية كبيرة نشرتها جريدة "نهاية المشوار"، في خبر على ثمانية أعمدة، ومعها صورة الشيخ عبد البر مفجر القضية، وبقلم الأستاذ حسن أبو طريق، ومقالة طويلة وساخنة في آخر صفحة بالجريدة لأحد الكتاب، يدعو فيها إلى وضع نهاية لهذا الاستهتار بالقيم، والتعهد بعدم طباعة الدواوين الشعرية والروايات والكتب، التي تسيء إلى المجتمع بفلوس دافعي الضرائب الغلابة المصريين، ووضعها في مكانها المناسب.

وأدى النشر بهذه الطريقة إلى قيام مظاهرات حاشدة في عدد من الجامعات، أدت إلى إرباك المرور وتعطل الناس عن أعمالهم، مما ضايق الحكومة كثيرا وعكر مزاج جميع الوزراء في هذا الصباح وخاصة وزير الثقافة.. ولم يكن أحد منهم نطق بكلمة "أصبحنا وأصبح الملك لله" أو "يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم"، أو وضع لقمة في فمه تساعده على مواصلة العمل طوال النهار وجزء كبير من الليل، فالحكومة ووزراؤها هي التي تحافظ على وقت المواطنين الثمين، ولا تريد أن تتعطل مصالحه بتعطل المرور في الشوارع، ولا تفرط في ذلك أبدا مهما كلفها ذلك من جهد ووقت ومال، فقامت الشرطة بإلقاء القبض على بعض الطلبة، وصادرت جريدة "نهاية المشوار" وإيقاف طباعتها إلى ما شاء الله، بعد أن ألبت عليها المواجع والمشكلات منذ صدورها أول مرة وإلى وقتنا هذا، وقامت الشرطة المختصة بحملة لمصادرة ديوان الشعر أيضا من المكتبات، وطلب الشاعر للتحقيق معه في الأزمة التي تسبب فيها.

في قسم الشرطة جلس شاعرنا امام الضابط المكلف بالتحقيق في القضية، وفتح التحقيق بسؤال عن سبب نشره هذا الديوان، وتضمينه ألفاظا وكلمات تخدش الحياء وإباحية تؤثر على النشء.

ودار بين الضابط والشاعر هذا الحوار:

الضابط: ما قولك في الاتهامات الموجهة لك من قبل المشايخ والصحف، بنشر ديوان خادش للحياء، ويحتوي على دعوات للإباحية وألفاظ خارجة عن ذوق الشعب.

رد الشاعر: الديوان ليست به أي ألفاظ خارجة وكل الكلمات الموجودة بتخدم المعنى العام للديوان.

الضابط: أنت متهم بتكدير السلم الاجتماعي.

الشاعر: يعني إيه تكدير السلم الاجتماعي، أنا العمارة اللي ساكن فيها، بها أسانسير وما بطلعش على السلم إلا لما النور يقطع، يعني ما فيش مشكلة في السلم.

الضابط: افهمني أنا باقصد إن ما فعلته أحدث مشكلة اجتماعية كبيرة، وانت شايف ما نشرته الجرائد، والمظاهرات التي قام بها طلبة الجامعات.

الشاعر: هذه كلها أمور لا دخل لي فيها، أنا شاعر وفقط، ولكن بعض المتعصبين والظلاميين هم السبب فيما حدث.

الضابط: وما رأيك فيما ورد في ديوانك من أبيات تقول فيهما:

ألا ليت الوزير يعود يوما فأحدثه بالأسرار

وأتعلق في كتفيه وآكل الممبار

الشاعر: ليس في البيتين ما يشير إلى معنى إباحي أو خارج عن الذوق المصري.

الضابط: إزاي.

الشاعر: الممبار دي أكلة شعبية يأكلها كثير من المصريين، وأنا واحد من المصريين الذين يحبون أكل الممبار، وخاصة الذي يباع على العربات.

الضابط: ومن هو الوزير الذي تريده أن يعود يوما.

الشاعر: ما أقصده ليس وزيرا وإنما هو وكيل وزارة قريب لي في مقام خالي، وهو الذي كان يساعدني ووالدتي، وكان عنده عشم إنه يبقى وزير، ولذا أطلقنا عليه لقب الوزير الذي لم يأت إلى الآن!!.

الضابط: وما المقصود بالأسرار التي تريد أن تبوح له بها أو هو يبوح لك بها؟

الشاعر: أبدا .. أنا كنت محتاج له ومزنوق في قرشين عشان أطبع الديوان.

وأثناء التحقيق.. استأذن العسكري الواقف أمام المكتب من الضابط لإدخال أحد المحامين، جاء للدفاع عن الشاعر، وأذن له الضابط بالدخول.

المحامي: معاك سيد الساعاتي محامي من "منظمة الدفاع عن الشعراء والكتاب والروائيين العرب في الوطن والمهجر، والدفاع عن الفكر والتفكير الحر دون قيد أو شرط".

الضابط: اتفضل .. ولكن هما كلمتين بناخدهم من الأستاذ وبعدين حيروح بيتهم، والي هيفصل في القضية هي النيابة والمحكمة مش إحنا.

المحامي: عارف والله سيادتك، ولكن يجب علي الإطلاع على كل كلمة هيقولها الشاعر الكبير، حتى لا يورط نفسه في كلام هو مش عارفه ومش قده، وهذا تكليف حضرتك من المنظمة، اللي أنا عضو فيها وليس تشريفا..

نظر شاعرنا إلى المحامي بغيظ، وكان سيتكلم ولكنه فضل السكوت.

وبعد نصف ساعة من التحقيق دخل العسكري مرة أخرى، واستأذن الضابط في إدخال محامي آخر.. وتعجب الضابط.. ولكنه أذن له بالدخول.

المحامي 2: معاك عبد الحميد الباشكاتب محامي من "جمعية المدافعين عن العادات والتقاليد الراسخة، والأعراف المجتمعية الناصعة"، وحاضر مختصما الشاعر لعدوانه الصارخ على هذه العادات والتقاليد في ديوانه الأخير.

الضابط: يا سيدي هذا الكلام ممكن تتوجه بيه للمحكمة المختصة، واحنا جهة تحقيق فقط، والمحكمة هي التي ستقرر إما البراءة وإما الإدانة.

المحامي 2: أنا عارف سيادتك، بس ممكن أجلس لمعرفة ما سيقوله الشاعر، وأخذ نسخة من المحضر لتجهيز أدلة الاتهام.

الضابط: عدي علينا بكرة وخد كل الأوراق اللي إنت عايزها، إحنا مش حنحوش حاجة عن حد.

بعد التحقيق خرج الشاعر الجديد وهو في غاية السرور، ولكن بدون أن يبدو عليه هذا السرور، وفوجئ بجمع غفير في انتظاره من وسائل الإعلام المختلفة من صحف وفضائيات ووكالات أنباء، جاءت لتعرف رأيه في القضية المرفوعة ضده، ورأيه في حرية التعبير.

وتردد شاعرنا قليلا، إلا أن ما شاهده من جمهور كبير جاء ليحييه ويؤازره في قضيته ومحنته شجعه على القول: أنه لم يكن في يوم من الأيام ضد تقاليد المجتمع وعاداته، وأنه من دعاة الفضيلة وأن ما قرأه البعض في ديوانه الجديد هو سوء فهم وإساءة تفسير، لأن الشعر له ناسه وليس كل واحد بيقرا كلمتين يفهم في الشعر ويحلله، وأضاف أن الذين أساءوا فهم شعره وقصائده هم السبب في جرجرته إلى أقسام الشرطة في أنصاص الليالي وإلى المحاكم.. وقال في نفسه ولم يرد أن يسمعه أحد، هذه أجمل ليلة في حياتي أن أدخل قسم الشرطة، إن شاء الله كل يوم في أنصاص الليالي، وبعدها في المحكمة، ويا فرحتي التي لا تسعها الدنيا!!

وبعد أن انتهت مراسم المؤتمر الصحفي، ذهب شاعرنا إلى بيته ولم ينم ليلته هذه وبدأ يتقلب.. ولكنه في هذه المرة أحس كأنه يتقلب على حرير في حرير، ولا علي بابا في زمانه بعد أن ودع حياة الضنى والشقى.. وتذكر ليلته السابقة التي كان يتقلب فيها على جمر النار كأم كلثوم.

وفي الساعة التاسعة صباحا وقبل ان يرفع السماعة للاتصال بالناشر، كان جرس التليفون هو الذي يسبقه في هذه المرة، وبدأ يرن رنات كأنها موسيقى في أذنيه، وكان على الجانب الآخر صوت الناشر وهو يقول له: مبروك يا سيدي أكثر من 95% من نسخ الديوان بتاعك نفذت خلال اليومين الماضيين.

رد عليه الشاعر: والـ 5% الباقية!!

الناشر: صادرتها الشرطة من المكتبات قبل أن تصل إليها أيادي القراء.

الشاعر: يا خسارة ..

الناشر: خسارة إيه!! إحمد ربنا إن الضجة اللي إنت عملتها دي روجت للديوان وحركت البيع.

الشاعر "وقد احمر وجهه خجلا وكسوفا": ضجة إيه اللي أنا عملتها.. دول بتوع المجمع الديني وطلبة الجامعات وجريدة "نهاية المشوار" همه اللي عملوها.

الناشر: المهم ... عايزين نطبع لنا طبعة ثانية في وسط الهوجه دي، عشان نقدر نوزعها وتجيب تكاليف الطباعة وتجيب نسبتك.

الشاعر: على بركة الله.

وبعد أن أغلق الخط.. وقف في وسط الحجرة وأخذ يرقص ويغني: الليلة الكبيرة ياعمي والعالم كتيرة، مليين الشوادر يابا من الريف والبنادر!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى