محمد فايز حجازي - ارتباك.. قصة

في غرفتها المغلقة، مازالت العجوز ممددة أمامهم، في سكينة لا تفيق، الوقت يمضي ومازالوا جِثيًّا حولها، رجالًا ونساءً يتحاورون.

قال رجل:
- لننزع القرط الذهبي من أذنيها، وتلك السلسلة حول رقبتها.
سأل ثاني:
- كم سوارًا ترتدي في معصميها؟
وأضاف ثالث:
- يبدو أننا سنعاني في انتزاع هذا الخاتم الضيق عن إصبعها!
اقترح أحدهم:
- نفتش أيضًا في أنحاء الغرفة، لديها بعض المال بكل تأكيد.
ثم أضاف:
- وتحت ملابسها أيضًا.

اعترض آخر:
- وعورة المرأة؟!
- ستتكفل النساء بهذا.
اعترض ثاني:
- تريثوا، فما زال قلبها ينبض، ها هو صدرها يعلو ويهبط في انتظام.
- وليكن، فلا أراها إلا فانيةً.
- رفقًا، نستدعي طبيبًا فقد تفيق. هي في الأخير روح بشرية وإن هرمت.
- لا، اتركوها ترحل عن هذا العالم التعس، إن موتها رحمة لها، ألم تر كم كانت بائسةً وحيدةً في غرفتها هذه!

قال آخر متوجهًا إلى النسوة الواقفات إلى جوارهم:
- هل رآكن أحد من الجيران أو من خارج البيت؟
أجابت إحداهن:
- لا، خرجت تجلس أمام غرفتها كعادتها، غُشي عليها، أدخلناها مُسرعات، ثم استدعيناكم.

قال آخر مُطمئنًا:
- حتى لو حدث، فلا شبهة في الأمر، فقدت الوعي ثم ماتت.
- ولكن قد يستدعي أحدهم طبيبًا أو يُبلغ أحدًا من أبنائها؟
- في الحارة لا أحد يكترث بمن حوله، الآن كلٌّ في عالمه يهيم. أنا وليذهب الجميع إلى الجحيم، أما أبناؤها ...

قاطعته امرأة، قائلة:
- أبناؤها! لو أرضعتهم ماءً لما صاروا هكذا!
قالت أخرى:
- لا يطيق أحدهم أخاه، كلٌّ يتهمُ الآخرَ بالخسة والنذالة، لا يجتمعون أبدًا، ولا يأتون لزيارتها.

ثم أضافت:
- كانت لا تراهم لعام أو يزيد، وإن جاء أحدهم فلدقائق معدودات، ثم يمضي مُسرعًا.


الآن أحدهم بالخارج يطرق باب الغرفة.

توالت الطرقات..

كانت خفيضة ثم علا صوتها...

واهنة ثم ازدادت قوةً وإصرارًا...

متفرقة ثم استمرت بلا انقطاع...

حينها كان السؤال الذي دار في أذهانهم بلا استثناء..

هل فطن إلى الأمر أحد من قاطني الحارة؟!

أم إن أحدًا من أبناء العجوز قد أفاق أخيرًا؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى