محمد فايز حجازي

مضت ساعات منذ بدأنا سيرنا بمحاذاة الشاطيء، بدأنا مع بزوغ الشمس، كنا - أنا وهي- على أعلى درجة من درجات الصفاء والبهجة والنشوة الحالمة. ابتعدنا كثيرًا عن مقر إقامتنا في المصيف، تركنا كل متعلقاتنا وانطلقنا، فقط ملابسنا الخفيفة التي نرتديها، كم كنت أنتظر نزهتنا هذه! تلك التي نبرح فيها العالم ونعود...
أجبرتني رواية (الأقدام السوداء) للأديب المبدع «محمد فايز حجازي»، على قراءتها مرتين خلال أسبوع واحد برغم حجمها، وهي من المرات القليلة التي أفعل فيها هذا، وذلك لسببين أساسيين، أولهما؛ الفكرة الفريدة والطرح الجديد والعالم الذي كتب فيه الرواية وثانيهما؛ اللغة الجذلة -والسهلة في نفس الوقت- والسرد...
ذات مساء شتوي انقطع التيار الكهربائي عن منزلي، كان هذا لإصلاحات يجرونها في غرفة الكهرباء أسفل العقار، ولن أقول أنني تكاسلت في تشغيل مصباح الطواريء، ولكنني في حقيقة الأمر قد سررت كثيرًا بالهدوء والظلام اللذين سادا، والسكينة التي حلت على جو المنزل، وكنت إذ ذاك ممدًا على سريري أجاهد في استدعاء...
الغربة... الشتات... الشقاء... والعودة.. غربة الروح... وشتات النفس... وشقاء الرحلة... والعودة إلى موكب الملائكة. عودة من الحب الآثم ومهاوي الجحيم، إلى الحب الصالح ورفاق السماء. بقلب مُرتجف وخطوات مُضطربة، أعود الآن، أخطو نحو شارعنا القديم، في جوار مسجد السلطان حسن. في جو...
قالت السيدة: - هراء، لا أصدق أنه كان مجرمًا، ربما لو أخبرتني أن غدًا هو آخر أيام الأرض لصدقتك، ولكن أن يكون مجرمًا فهذا ما لا أعقله، لا أستطيع أن أصدق هذا. ثم التفتت بوجهها إلى مدخل غرفة الاستقبال، صائحةً بصوت مُتهدج غلبه الانفعال: - لينا... لينا. واستأنفت حديثها مع الصحفي الجالس...
مضت ساعات منذ بدأنا سيرنا بمحاذاة الشاطئ، بدأنا مع بزوغ الشمس، كنا -أنا وهي- على أعلى درجة من درجات الصفاء والبهجة والنشوة الحالمة. ابتعدنا كثيرًا عن مقر إقامتنا في المصيف، تركنا كل متعلقاتنا وانطلقنا، فقط ملابسنا الخفيفة التي نرتديها، كم كنت أنتظر نزهتنا هذه! تلك التي نبرح فيها العالم...
أهاتفك ولا تجيبين، أرسل لك الرسائل فلا تردين، عند منزلك وعلى البعد أناديكِ، أصرخ بأعلى صوتي فلا تسمعين، أكاد أتمزق قلقًا وحيرةً. نورا حبيبتي! هل أنت بخير؟ يوم أمس انتظرتك هناك في الميدان، قريبًا من مدرستك الثانوية، كعادتي منذ أن افترقنا صغارًا بعد دراستنا الأولى، ربما لم يمض يومًا...
في غرفتها المغلقة، مازالت العجوز ممددة أمامهم، في سكينة لا تفيق، الوقت يمضي ومازالوا جِثيًّا حولها، رجالًا ونساءً يتحاورون. قال رجل: - لننزع القرط الذهبي من أذنيها، وتلك السلسلة حول رقبتها. سأل ثاني: - كم سوارًا ترتدي في معصميها؟ وأضاف ثالث: - يبدو أننا سنعاني في انتزاع هذا...
بعد الرحيل المفاجيء لأمي -أعظم رفاق السماء- بأيام معدودات، وبعد أن استجمعت قليلاً جداً من قواي النفسية والجسدية الخائرة من هول المصيبة، ظلت مشاهد أمي تتدفق أمام ناظري بلا انقطاع، وبعيون يغشاها الحزن وقلب مكلوم كنت أراها أمامي علي الدوام، رأيتها تحملني علي كتفيها بينما هي تغسل الأواني في مطبخنا...
طفلان، ومنزل مغلق، ونداءات لا تتوقف، وبكاء مستمر.. ظل الطفلان يطرقان باب الشقة من الداخل، يناديان، يبكيان، يصرخان ولا أحد يجيب. - اعتني بأخيكِ، ولا تدعيه يلهو عند أزرار الكهرباء أو صنابير الماء، سأذهب أنا ووالدتُك لشراء متطلبات للبيت، وقضاءِ بعض المصالح، ثم نعود سريعًا إن شاء الله...
لا أقول بأن خبرتي العملية كطبيب متخصص في علاج الأمراض النفسية والعصبية وحالات الإدمان، قد تجاوزت السنوات الأربع، عملت في خلالهم في تلك المصحة على طرف هادئ من أطراف المدينة، بعيدًا عن الصخب والزحام القبيحين (أنزعج كثيرًا من التجمعات والأصوات المرتفعة)، غير أن تلك السنوات -على قلتها- كانت كافية...
(1) لم يكن نادي الشطرنج كما اعتاد رواده منذ عشرات السنين أن يطلقوا عليه، ناديًا بالمعنى المُتعارف عليه، له نظام مُحدد أوعضوية تُجدد، بل ولم يعد للعبة الشطرنج بين جدرانه وجود من الأساس، بل كان نادي الشطرنج، اسمًا يُطلق على سطح ذلك المبنى الفسيح والعتيق، في قلب ميدان السيدة زينب. مبنى...
يَداها تثاقلتا، قَدماها، رأسها، عجز تام، كريه ومرير، يسري في أوصالها، عروقها، برودة مقيتة تنتشر في جسدها. كل قطرة من دمها تئن، تصرخ، تستجدي ولا يُغيثها أحد، تستعطف وما من مُجيب. الكل يعزف عن نجدتها، وكأن الشفقة قد اُنتزعت من القلوب انتزاعًا، كل القلوب، قلب ابنها، ابنتاها، زوجها، أو أن ثمة...
كان أول وآخر لقاء بيننا، يومها نسيت دُميتها عندي! في عهد المراهقة عندما فقدت والديَّ، كان يجب عليَّ البقاء وحيدًا، فلا أخ ولا أخت ولا قريب. وكان لزامًا على عينيَّ الملتهبتين والمتوترتين أن تُضيئَا، حتى تشعَّ إرادتي لبعيد وأستطيع الإيمان بنفسي، ولكنني -أقولها وكلي أسًى- وإلى الآن لم أستطع. كنت...
- إلى أين؟! (سألته الزوجة في حين هي جالسة في صالة بيتهما القديم، تُعمل في مهارة إبرة الخياطة، تعالج بها ثقوب ورتوق بعض الملابس القديمة). - أخي في صحبة صديق قديم، ينتظراني في ميدان صلاح الدين عند النافورة هناك. (أجاب الزوج وهو يهمُّ واقفًا بعد أن انتهى من ربط حذائه الأسود اللامع). -...

هذا الملف

نصوص
19
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى