د. سيد شعبان - حارة الرمش

حكاية غريبة حدثت في أيام جدي؛ كثيرون تناقلوها، ربما أضاف البعض أحداثا لم توجد؛ أو أن الكذب هنا مبرر؛ فليالي الشتاء والصيف تحتاجان لهوا عجيبا؛ يختفي عم لبيب فترة ثم يظهر؛ تتعدد الأقاويل في تفسير كل هذا؛ يقولون: مجنون أو يؤاخي الجن الأحمر؛ أحد الذين يقرأون الصحف والتي يجدها أهل الحارة مكدسة عند البقالين في الزاوية؛ يهمسون: يبدو أنه رجل السلطة السري؛ شائعة يتناقلها المواوي ذلك الذي لا يمل من اختلاق القصص والحكايات، عم لبيب ليس إلا الخضر؛ عنده خزانة بها ذهب وفضة وكتاب أصفر تسطر فيها أماكن الكنوز التي أخفاها الأجداد، يمشي متوكأ على عصا من خشب غريب، يقسم المواوي أنها تضيء بالليل؛ تتبعه عنزة حمراء يركب فوق ظهرها قط أبيض، عم لبيب لا يسمع كل تلك الأقاويل؛ أذنه بها طرش، يجر الصغار حيل العنزة فتتبعهم ريثما تملأ بطنها من أعواد البرسيم أو حفنة قمح مما هو منشور في جرن الوسية، ماكرة تتأخر قليلا؛ تسامر الصغار ثم تجري وتتراقص؛ القط العجوز يتشمم السمك؛ حين يقترب من إحدى النوافذ أو يجد فرجة في جدار يعدو مسرعا؛ وبعد ؛ يسرق ومن ثم يعود وقد مرغ وجهه في فراء العنزة الحمراء؛ عم لبيب لا بيت له يسكن المسجد القبلي؛ في ركنه الشرقي ينصب خيمته؛ أهل حارتنا طيبون؛ يهبونه حساء عدس أو صحن فول نابت؛ قي العيد يكسونه جلبابا؛ وفي ليالي الشتاء ينام قطه وعنزته بجواره يتبعان الرجل الطيب، صارت العنزة مباركة.
هبت ريح عاصف؛ اشتعلت دور الحارة، أخرج عم لبيب كتابه المطوي وسادة تحت رأسه؛ زمن المسخ اقترب، عند شجرة التوت الكبيرة تختبيء حية عجوز معها بيضة من ذهب تدفعها في الظلام فتنير لها الطريق.
ينبح كلب أسود، يغلق باب الحارة، عم لبيب يتوكأ على عصاه؛ حجر الطاحونة يحتاج طفلا يتيما.
في الحارة أشكال وألوان من البشر؛ شامي ومغربي وغجري وطلياني؛ الغريب إن هؤلاء انصهروا في سبيكة عجيبة كما حديد عم كبران الذي يرسم بمطرقته صورة لعرابي وهو يركب حصانا أبيض، مولانا السلطان مصاب بالفزع، يتجمع الحفاة العراة وقد سكن قلوبهم العجز، لكل عصر عرابي، لكن الجهل والقهر سوران من قيد، حين ينتهي المواوي يتسربون وقد شبع البعوض من أجسادهم .
غير أن بيت أو بيتين في نهاية الحارة دائما تلفهم أسرار؛ نسوانهم تسرق الكحل من العيون؛ رموشهن خضراء أو زرقاء؛ تمشي الواحدة على خطوة ونصف، عم لبيب عجوز متصابي!
وراءه أسرار، على ظهره حدبة، طيب القلب؛ لديه حلم أن يمتلك حارة الرمش؛ يتخلص من حدبته ويدهن جسده بزيت العطار.
يصطاد أنثى من هؤلاء الغجر؛ شحاته العطار يصف جمالهن؛ يتكالب عليه الذين جفت المياه في ظهورهم؛ حكاياته تثير خيال المصابين بعتمة العيون؛ دهنه وعقاقيره يتلبسان بسحر خفي،
يعود صبيا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى