عمر حمش - من يغلقُ النافذة؟

إلى ذكرى الذين سقطوا في مذبحة خان يونس سنة 1956

في تلك الليلةِ، انتهت المعركة ُالصغيرة ُ، ودخلوا. .
قبضَ الصّمتُ على مخيمِنا.
أصغينا لدوىِّ أنفاسِنا، ولهمسِ الرّيحِ، ِ
ترقبنا أن يأتيَنا الله من نافذةِ غرفتِنا، لا رشاشُ العُوزى.
هيّجَ الخوفُ كلبا، فاستعر النباح، ارتجفنا، وتمنينا انطفاء القمر، لكنّ القمر ظلّ بليدا، يرسل ضوءا باهتا كافيا أن يكشفنا.
الكلب أسكت بطلقة خافتة، وغصنا في بئر الصمت مع أنفاسنا اللاهثة.
كنّا تحت النافذة
كنّا وحدنا على وجه الأرض، دفع اليهودُ الأبوابَ فسمعنا التوسلَ، ثمّ الّرّصاصَ المكتوم، وصراخَ الساقطين، الذين يهوون خلفنا تحت الجدار...
طار باب الدار، وفي بطنِ ِالغرفةِ قفزنا، حملقنا، ثم عدنا إلى الحياة... إنّ الذي دَهمنا كان على قوائمَ مرتجّة، يرنح رأسا ثقيلةً، يدُ أمي قامت، فتوقف الحمار، لم يدخلْ الغرفة، ظلّ فقط يرسلُ عينين راجيتين.
جارنا المجنونُ مزّق الصّمت:
- يا ناسُ، اليهودُ لا يقتلونَ أبو جواز سفر انجليزي..
أمي لطمتْ وهى تهمسُ :
- من أين لنا جواز سفر إنجليزي؟
- بعدها جرّوا رجلا انتابتهُ هلوسةٌ :
- أين أضع الإبريق يا خواجا؟
- وسمعنا الصّليةَ ثمَّ الصّرخة .
عاد المجنونُ: أبو جواز سفر إنجليزي ...
كنا نرتعدُ، ورؤوسُنا مطأطئة تحت نافذتِنا المشرعةِ الواطئة، من يجرؤُ على الارتفاعِ قليلا لإقفالِ النافذة؟
توسلنا لعينيّ الحمارِ، فلم يمارسْ حَقَه في النهيق، أخي الرضيعُ أيضا فهمَ، ولم يبكِ، وانتظرنا اللهَ لمطلع الفجرِ متلاصقينَ.
مع أوّلِ خيطٍ للفجرِ عاد المجنون:
- يا ناس تعالوا
- هذا فلان مقتول
وهذا فلان......-
لحظتَها رأسُ أمي تحركَ، فتسلقنا كالزواحفِ النافذة.
كان الرجالُ كوماتٍ.
ورأيتُ صديقي يتنططُ على ساقٍ، والأخرى بعيدة.
وصل صديقي أباهُ، وزحف عليه.
ولمحتْ عيناي امرأةً، تهمد على رجلٍ ممزقٍ بعينينِ شاخصتين، هاجت المرأة بين نسوةٍ يقلّبنَ الجثثَ، ويولولن.
أطبق الصراخ يومها.
يومها انطفأ آخرُ لون، وغادر أخر مخلوق وجه الأرض، وفي البحر القريب توقف الموج.
يومها احتضن الغولُ الكون، وماتتْ الشّمسُ، وبدأَ يأكلني العذاب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى