مصطفى نصر - السيدة زينب..

كانا يسيران أمامي، المرأة وطفلتها الصغيرة، تتهاديان بطيئا. المرأة بجلبابها الأسود، والشال المطروح إلى الوراء. الطفلة بجلباب مهتريء، وضفيرتاها منطلقتان خلفها. كنت هناك، أسير ورائهما، أتأمل كف السيدة المتجهة نحو السماء، وهي تقترب من المارة، لا تتكلم، لا تطلب شيئا. كان الشارع متسعا، رحيبا، مكشوف المدى، وأنا في طريقي لزيارة مقام الطاهرة زينب، سيدتي التي أحن إليها كلما ضاقت بى الأرض.
اقتربت من السيدة التي تجر ابنتها، دفعني فضول قاهر، لا أدري كنهه، نظرت إليها، فتعثرت في خجلها، ذابت في حرج مميت، وكادت أن تسقط فوق الأرض.
حدقت إلى الطفلة، وجدتها جميلة جدا، مضيئة ومبتسمة، أطلت التحديق، وجدتها ولدا.
المرأة التي روعها الخجل كانت أمي.
الطفلة الصغيرة كانت أنا. ذلك الطفل الذي جاء متأخرا، بعد عدد من الأطفال منذورين للموت. كان عبق الضريح يتضوع من بعيد وتفعمني رائحته الزكية بعطر مقدس.
شرعت أمي تسرع الخطى، وتأخذ معها طفولتي المشحونة بالآلم، رحت ألهث ورائهما، حائرا، معذبا، مستحضرا ماضى الموغل في القدم، حتى توقفت في النهاية، وتركت لي الطفل، تتدلى من رقبته قلادة من نقود فضية، مخرومة ولامعة.
قالت وهى تداري خجلا رقيقا:
- خذه معك. وانتبه إليه. وداوم على زيارة " السيدة".
كانت تشير إلى المقام، قبل أن تختفي عن ناظري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى