د. سيد شعبان - نملة في الخزانة..

أسرت إلى بهذه الحكاية نملة عجوز وجدتها تختبيء في خزانة جدتي خضراء؛ حدث ذاك حين كنت أبحث عن غطاء صوفي أتدثر به من ذلك الشتاء القارس الذي يحاصر الناس في مساكنهم فباتوا كأنهم أدخلوا كهفا سيمكثون فيه سنين عددا؛ مصابون بلوثة الخوف من مرض قادم من بلاد نمنم؛ تلك البلاد تزيف كل شيء؛ ربما كان هذا الوباء جهز في مختبرات الحروب القذرة، هذا عالم مصاب بأنواع شتى من الهذيان جنون البقر وأنفلونزا الخنازير حتى الطيور البريئة لم تسلم من إلصاق التهم بها، وحده الإنسان بريء بل نقي؛ يالسوء الدعاية المزيفة!
كانت جدتي تخبرني أنهم يأكلون القطط والكلاب بل يطبخون العناكب حساء يتبادلونه في عيد التنين ذي الأجنحة السبعة؛ يخرج نارا ربما هم قوم يأجوج ومأجوج، هل أوشكت نهاية العالم؟
على أية حال حين فتحت مزلاج الخزانة التي يعلوها ركام من تراب وتخيط الهوام فوقها ساترا من أثر زمن مضى؛ ابتدرتني تلك العجوز محذرة ألا أقرب حبة القمح التي تآكلت حوافيها، أخرجت من فمها رذاذا لتقي به نفسها من ذلك الوباء الذي يرتعد منه العالم.
توقفت المطارات وأغلقت المنافذ الحدودية؛ معامل الصحة وشركات الأدوية في سباق مع ذلك الوحش الخفي، يبدو أنها فهمت ما يدور في عقلي، لديها حنكة في تقدير الأمور؛ أخذت الحكمة من لسان نبي الله سليمان الحكيم.
مكثت غير قليل حتى أخرجت إلي كتابا به سطور مفرداته غامضة ونقش أشبه بما رأيته على معابد قدماء المصريين؛ أشكال غريبة لقوم لهم رؤوس بلا شعر وآذان تتدلى منها أقراط نحاسية؛ نساؤهم صغيرات ضامرات، عيونهن أشبه بحبات مسبحة مغشوشة؛ يتقافزون في صفحات أخرى كما القرود؛ لم أميز واحدا من الآخر؛ يبدو أنهم يرتدون أقنعة تخفي سحناتهم الحقيقية.
تحركت ناحية يدي في بطء شديد؛ تخيلوا مسافة لا تتعدى ربع متر استغرقت من الزمن ساعة كاملة؛ عرفت هذا من دقات ساعة الجامعة العتيقة والتي باتت أشبه برجل لا وريث له؛ تتكاثر الضباع على تركته؛ أردفت موجات الأثير نبأ الحصول على شاهدة على أوبئة اجتاحت العالم منذ عهد نبي الله سليمان؛ إذ ذاك أصابها فزع شديد؛ من تراه أخبرهم بها؟
تلفت حولي لا أثر لكائن غيرنا في هذا المكان الذي لا تعلم به الجن؛ لا يسمع به دبيب التمل.
هاتفي الذكي ربما هو من وشى بنا، أفلح بيل جيتس في خداع العالم؛ كل الصور والبيانات تتصل بدائرة شيطانية تقبع في دهاليز البنتاجون!
أخرجت من لفافة حول جسدها بذرة لا أكاد أراها؛ يصدر هاتفي صفيرا لا أفهم دلالته؛ أنظر في بريدي الالكتروني فينتابني ذعر؛ أمر من جهات خفية بأن أقتنص تلك الحبة التي لا تكاد تراها عيناي؛ تتكوم النملة العجوز؛ أرى دموعا تقطر من عينيها، تصاب بارتباك ظاهر، تعاود موجات الإذاعة بثها: تترقب وكالات الأنباء العالمية الحصول على شيفرة لقاح ضد ذلك الفيروس اللعين!
اعتدلت في وقفتها ثم مالت بجنبها وأخلدت إلى الأرض، وضعت رجلا فوق الأخرى؛ تبادر إلى ذهني قول لجدتي كانت تكثر منه: من عاش بالحكمة مات بالمرض.
صافرة عربة الإسعاف تصدر دويا تهتز منه الأمكنة؛ تعاود الإذاعة بث أرقام مزيفة عن حالات جديدة؛ تغط النملة في سبات عميق.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى