د. سيد شعبان - العاطي هو الله

اللف وراء لقمة العيش أتعب جسدي، متى أرتاح من الطريق؟
كل الناس تنام سعيدة وسط أهلها إلا أنا، تب علي يا كريم من البهدلة، بياعة حلوى شعر البنات وأمشاط العرايس وفلايات للصبايا؛ خمسة وخميسة وسبح وعقود خرز، أدب في الشوارع وأنط من حارة لحارة قرد بهلوان، من زمان وهذه مهنتي، حفيت واتعميت وظهرى انحنى، جرجروني من بندر إلى محافظة، غريبة لا ظهر لي ولا سند، الفقر له رائحة نتنة، غجرية دقت وشم أخضر، كنت صبية والعيون تنغرز في صدري!
أحلم برغيف سخن، وآه من غلبة الوجع، وحيدة في دنيا الله، أنام داخل كومة قش، وأتغطى بالسماء في عز البرد، تعوي الذئاب بالقرب مني؛ صوتها كريه، أموت في جلدي ألف مرة، نسيت أنني أنثى، في مرة أو ثلاث مرات ما عدت أتذكر سرحت شعري، وقفت أمام مرآة!
عربة الصحة لما جاءت تطعم العيال، كنت حلوة، تخيلت نفسي عروسة تلبس الفستان الأببض، له دانتيلا جميلة، وضعت على رأسي طوقا من الفل!
خيالي راح إلى بعيد وصلت إلى القمر، زفة وفرح وخيل ترقص، هل حرام علي الحلم؟
هل يأتي يوم وتتحقق آمالي؟
ربنا كريم، سمعت بشيخ له كرامة؛ سيدى عبدالعال، ساكن في بلد بعيدة، يفك السر ويصرف الوسواس، أكون مسحورة؟
آه سمعتهم في مولد الدسوقي ينشدون: وانفتح الباب انفتح الباب من غير بواب، لكنني خائفة إن بابي ينفتح، صنت أمانة الخالق سبحانه، والله أنا جنيه حر وأغلى من الذهب!
فيه حاجات لا يمكن الكلام عنها، البنات لهن أسرار ويحكين لبعضهن، لكن من يشعر بي؟
الفجر اقترب، قطار الصحافة داخل المحطة، كفاية خيال وتوهان، وحده قادر يتوب علي من الشقا!
شدت الشبلة من على الرصيف دفعت بنفسها داخل العربة الأخيرة فيها سعيدة بائعة الجبن القديم ونوال صاحبتها، نثرثر ونتسلى بقرص العجوة.
لكن هذه المرة غابت المرأتان، خير اللهم اجعله خير؟
القطار خاو تصفر فيه الريح، فركت عينيها، النداهة ضحكت عليها، آه النهاردة العيد!
يا حلاوة يا ولاد!
ضحكت من هبلها، بكت من مرارة الوحدة، هو من فكرها؟
رمت جسدها على كرسي القطار الخشب، سرحت في سكة بعيدة، استعاذت بالله من شر الشيطان، خافت على نفسها، أصل العمر جرى، ولا يمكن تفعل الحرام، قالت لنفسها: طبعا لن أنسى يا أمي، من يقرب مني سأدفنه تحت عجل القطر المصري؛ الشرف غالي.
حركت رجليها، شعرت بحجرة تحتها، نزلت بيديها تحسس، يمكن عفريت، أو بلوى تلبسها، تجرأت وأمسكت بها، حركتها، فيها حاجة، أشعلت عود كبريت مسرعة، منديل محلاوي فيه قرص صفراء، خواتم وحلقان، بنت سوق عرفت إنها "لقية" خبأتها داخل كيس حلوى البنات، نزلت في المحطة الثانية!
قصر وبستان، ست الحسن والجمال، والشيخ في الدوار ينشد ويعلو صوته: انفتح الباب
انفتح الباب من غير بواب!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى