د. محمد سعيد شحاتة - إشارة..

على ضفافِ الغربةِكانت ترسمُ عينين من فولاذٍ
فأهدتْها الموانئُ نايــًا
فاستوتْ على صفحةِ الماءِ نورسًا
وتدلَّت الكلماتُ عاريةً
ففاحتْ عطورُ مَنْ عبروا نوافذَها
وتأرجحتْ أغصانُ الذاكرةِ بين نتوءاتِ المارِّين
على جدارِ القلبِ
كانت تلوكُ الأخيلةَ والمجازاتِ لعلَّها تبوحُ ببعضِ العطورِ
أو تنعتقُ من أسْرِ دمعةٍ عبرتْ أقفاصَ اللغةِ
فاستوتْ شراعًا
التعرُّجاتُ الآسنةُ تفرشُ أذرعَها وسائدَ
والتعاويذُ التي صنعتْها أكفُّ الثوراتِ تتأوَّهُ
والطرقاتُ رحىً تطحنُ العابرين
ومواءُ القطط الضالَّةِ يزكمُ الأنوفَ
في الليلِ تشرقُ الذكرياتُ الآسنةُ
وتنكمشُ التواريخُ في زاويةٍ
تَعْلكُ الأوراقَ كي تكفَّ عن البوحِ
أطرقتْ قليلا
ثم انزوتْ على حافَّةِ فنجانِها
تتأمَّلُ الخطوطَ المتعانقةَ في تشاكسٍ عجيب
على ضفافِ جرحٍ نازفٍ
يقفُ قلبٌ متأملا تواريخَ السيوفِ الصَّدِئة
والخناجرِ اللقيطةِ
يستدعي إشاراتِ المرورِ الحمراءَ من ذاكرةٍ ملوّثةٍ
وعيونًا مَسُها الجوعً للطرقاتِ العابرةِ للقاراتِ
وأحاديثَ الشعراءِ المنسوجةَ بلفائفِ التبغِ المستوردةِ
فباغتته راياتُ البسطاءِ
وهم على حافةِ الحنينِ إلى بيوتهم الطينيةِ
يقبضون على حبالِ دوابِّهم
ليعبروا بها غضبَ الفيضانِ
تُجرِّدُهم الظلالُ من الكينونةِ
وتمنحُهُمْ السماءُ أروقةً للغيابِ
وثيابًا حُبْلى بالعتمةِ
يتشبَّثون بالحبالِ في سيركِ الغابةِ
وتبقى الأنفاسُ مصلوبةً على لهاةِ الوقتِ
وعيونُ الفيضانِ مصلوبة على أنفاسِهِمْ
*
حين تصيرُ الوردةُ خنجرًا يتسلَّلُ نصلُهُ نحو النهرِ
يغتسل من أوبئة المارة على طرقات القلب
والغيمُ في تراتيلِ العشَّاقِ بقايا ثغورٍ أنهكتْها الحرائقُ
فارتكنتْ لجسدٍ منصهرٍ في رقصةٍ على عتباتِ البوحِ
يتدلَّى كحبلٍ من نافذةٍ أسطوريةٍ
أيها المتأمِّلُ تواريخَ السيوفِ الصدئة
والخناجر اللقيطة
أنتظرك كلَّ مساء
بين بيتي وبيتك حارتان ونصف قصيدة
كنتُ أنتظرك كي تكملَ النصف الباقي
لكنهم قالوا: إنك على موعدٍ


________________
ديوان: العاشق الريفي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى