حسن لشهب - اللوحة الأخيرة

منذ مدة وهما على هذا الحال كأنهما في حالة انتظار جالسين جنبا إلى جنب صامتين. إلى جانبها يجلس وفي سيماه سرت نظرة استسلام…
لا تظهر عليهما في المعتاد رغبة في تبادل الكلام، لم يعد ينظر إليها مثلما لم تعد تنظر إليه
كأنما أنهيا معا اكتشاف بعضهما البعض .
جنبا إلى جنب وجدا دائما وما يزالان ، اعتاد كل من شاهدهما فوق الأريكة البيضاء أن يتوقف قليلا عسى أن ينبسا ببنت شفة ، لكن بلا جدوى...
لا شيء غير الصمت والانتظار ...
لم يعد ينظر إليها ، ولم تعد تنظر إليه ، يعرفان عن بعضهما كل شيء ، ولم تعد هناك حاجة للكلام فاختارا الصمت والانتظار...
هندامهما كان عنوانا لانعدام العناية والاهمال ، شعر خفيف وبلا نظام ، في نظرتهما استسلام ليس أكثر، و قليل من الازدراء و اللامبالاة...
اختفى الأبناء منذ فترة ، ذهبوا بعيدا ، منهم من ركب البحر ومنهم من ركب الأجواء..
لم يعد أي منهم يملك القدرة على العودة ، فقدوا ذاكرتهم ولربما خانتهم الجرأة على تذكر ما مضى ...
لم يعد هناك مبرر للعودة وبقي العجوزان بمكانهما فوق الأريكة ، بلا إجابة ، بلا هدف ولا غاية ، جالسين هكذا بصمت...
مؤكد أنهما مثل كل الناس أنجزا أمورا وأجلا تنفيذ بعضها الآخر...
واليوم ضاعت منهما الرغبة في فعل أي شيء ، وما يملكونه من وقت يستهلك منهم كل جهدهم للصمت ..
وهما الآن جالسين كما سلف من الأيام ، ذاهلين عما حولهما من صخب الحياة وحركة الأشياء وعمن يشاهدهما من الناس .
يبدو من ملامح المرأة أنها كانت مالكة سر وسحر يصنع العجب ،على قدر كبير من الجمال ، كانت ترسم مدارات عينيها العسليتين بالماسكارا ، وتلون وجهها ووجنتيها بلون السماء والذهب وتلون شفتيها بلون الفاكهة المحرمة.
لكنها اليوم لم تعد تملك مهارة ولا مقومات لعبة الإغراء ...
راودتها فكرة الابتعاد ، ربما لتخفف عنه وطأة وجودها ، لكنها لم تعد تملك في الدنيا غيره ، لم تستسغ أن يبقى وحيدا فوق هذه الكنبة ،هي المرفأ والبر الواقي من الموج قررت البقاء وفاء لحب جارف جمعهما في سابق الأيام...
كانت المرأة فريسة لتأمل عميق ، فسألت زوجها :
ـ يبدو وكأنهما حيين فعلا ، ألا تظن ذلك ؟
ضحك الرجل وهو يطوق كتفي زوجته بذراعه قائلا :
ـ دعينا نشاهد لوحة أخرى فقد استغرق منك تأمل هذه دهرا بأسره...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى