د. زهير إبراهيم سعّود - مشيخة..

حسمت قراري الليلة، واقتنعت بصنعة المشيخةِ.. فقد مللت مهنتي وما أبدعت فيها. أكثر ما شدّني للأمر هو امتلاكي فنونِ الصنعةِ، مثل لعنة أبليس والتسبيح للرحمن، وإقامة أركان الدين، ثم شتيمة من لم يكن في الفئة التي أعلن انتمائي لزعاماتها.
أعرف أنني أملك تفرّدي، ووساعة الحيلة، التي أسّس لها التجوال والاحتكاك بأصنافِ المذاهبِ، فرتّبت في صندوقِ تجوالي كلّ أشكال الدعاء والشتائم، وجوهر الخلاف في شكلِ الملابسِ، كغطاء الرأسِ، وترتيب العباءة، وتهذيب اللحية، وما شاكل.
حين أتممت حوائجي.. أوهن الكرى أجفاني، فأكملت رحلتي بحلمٍ غريبٍ.. أراني أقف قبالة القمر، وأنا أراقب جمال صنعة الخالق، فأسمع صوت أنينٍ وحشرجةٍ، وخطاباً من ورائي: أنقذني أيها الشيخ الجليل، أكاد أن أموت.!.
مكّنت القمر ظهري.. لأرى ظلّي الممدد فوق الحصباءِ؟.. شاحباً مظلماً، تغزوه خضرة وكدر، والصوت يصدر عنه،، فأمدّ يدي لليقينِ حتى لامست الأرض، واستحال شبح ظلّي إلى شخصٍ مكلومٍ، دماؤه تنزف من جبهته وأوسطه وفخذيهِ. نظرت إلى كفّي المخضّب بالدماءِ، وقلت: من أنت وما شأنك، ومن فعل بك ذلك؟.
- أنا زميال وأبدون.. صدفت حشد ملائكة فانهالوا على جسدي بسيوفهم الحادة.. تكاد روحي أن تنفذ، فانقذني أيها الشيخ.
- أنا شيخ ديانة يا هذا!.. لعنتك الملائكة وقتلوك!.. فمن أكون لو أنقذتك؟.. وما هذه الأسماء الغريبة؟.. لكأنك من بلاد الكفر؟.
- حسناً، تعرفونني بأبليس، وأكثر ما أدعى باسمٍ هو الشيطان. أنا رفيق كلّ الناس لأكفل رزقكم،، فلو متّ لا تجدون من تنهون عنه.. أنا من أكثر احتياجاتك التي تجهد في جمعها، فانقذني أيها الشيخ قبل أن تفقدني وتسوء تجارتك...
حملته على أكتافي.. لم أشعر بثقله!، وكلما سقطت قطرة من دمه على لحيتي كانت تطول!، وعلى جسدي تستحيل خيوطاً في عباءةِ المشيخةِ!...
صدفت أناس المذاهبِ وهم يلقون أمامي الورود والأموال!.. ومع طلّةِ الصبحِ كنت أصرخ: ها قد وصلت!.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى