سعد الشديدي - وَطنٌ لا شَريكَ لَهُ

أيها الوطنُ
ابتعدْ عنّي – رجاءً –
كي أغيبَ دقيقةً
وأعودُ أحفرُ في حَياتي
لأُعيدَها شيئاً فَشيئاً للطبيعةِ.
أمشي الى القنديلِ فوقَ الجسرِ مبتهجاً
لتعبرَ أمنياتي
للجانبِ الشرقيّ من رُوحي
وتسكنُ غابةَ الطرقِ السريعةِ.
أيها المخفيُّ في المبنى
وفي المعنى
بين العشبِ
والجذرِ السويِّ
لصورةِ الحنّاءِ
في كفّ ابنتي
وسعالِ جدّي.
أيها المحظورُ في كتبِ الخليقةِ
المنشورُ في لوحٍ يطوفُ على مياهِ الغمرِ
مثلَ اللهِ في ألواحِ موسى.
هل أغادرُ شاطئاً رست الملوكُ على شرائعهِ
وحاصرهُ الجنودُ.
لا شيء أخسره هنا
فالنهرُ ملِكي والسماءُ لها حدودُ..
والارضُ للعشبِ الطريِّ
وإنْ عادٌ بِها عاثتْ
وإنْ بادتْ ثمودُ.
البيتُ مفتوحٌ لرائحةِ الطعامِ وعطرِ سيدةٍ تغني طفلَها:
أيها الزمنُ أقتربُ منّي رجاءً!
كي أغيبَ للحظةٍ وأعودُ أحفرُ في الرمالِ
لا أسمَ يُرضيني لأكتبهُ على سطحِ الهلالِ.
فلا الغرانيقُ العلى يكفينني زمني،
ولا وطناً يليقُ بغربتي!
جَدّي من الأنباطِ في كوثى،
وأمي من بلادِ الشامِ
كِنعانيةٌ … حِنطيةٌ
تَحثو الترابَ عَلى جَبينِ الدهرِ.
وتُحوكُ شالاً للوليدةِ قبلَ مولدِها
وأحياناً تطّرزُ ثوبَها بالوردِ.
كانت صدفةً أني وُلدتُ هُنا..
وآليتُ البقاءَ على تُخومِ الريحِ
قربَ عاصمةِ النساطرةِ الذينَ تَناسخوا دُوَلاً وقرآناً.
آليتُ أن أبقى لأسمعَ صوتَ أميّ
وأبي يُباركُ قاربَ الصيادِ في نهرِ الفراتِ.
عندَ الصباحِ يُعدُّ قهوتَهُ
ليَسقيَّ سنديانَ همومِهِ.
في ليالِ الصيفِ
يأتي الجُباةُ ليكتبوا أسماءَنا
ويأخذوا عُشرَ الخليفةِ
والزكاةِ.
يصحو الترابُ …
يخبئ الكتبَ القديمةَ تحت جلدِ الأرضِ
يعيد ترتيب الحروف لمصحفٍ
قالوا بأن عليه آهاتُ بن مسعودِ الصحابيّ
الذي لم يبقَ منه سوى سياطاً في خبايا ظهرهِ
وصلاتهِ… كالوشمِ.
ويسوقُ رعاةُ الحكاياتِ قطعانَهم
إذ ينتهي الأفقُ …
يستحيلُ رماداً
وتأتي قريشٌ بفرسانِها
لتأخذَ حقَّ الإلهِ وفائضَ قيمتِه.
يقتحمون سلالَ الخضارِ
ولا يتركونَ سوى قلقاً مزمناً في عيونِ الصغارِ.
الجباةُ يعودونَ دوماً الينا
ليَختبروا صبرنا.
أنتَ، أنت هو الصبرُ
فيكَ بدايةُ هذا السراب وباطنُ كفيّه.
وما دمتَ حياً وتمشي ولو زاحفاً
فأنت لنا واحدٌ أحدٌ
لا شريكَ لهُ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى