حميد محمد الهاشم - امرأة برّية

متوحشة، تلك المرأة، تلك الفارسة، سيف معلق بخاصرتها العارية، وخنجر جريء.
كنتُ قد أضعتُ الطريق والجيش، بالرجوع من آخر معركة مع البرابرة، تخليتُ عن قلنسوتي وأشياء أخرى تثقلني، مئزرا فقط ارتديه ،وقطعة قماش تغطي مقدمتي ومؤخرتي.
مكان المعركة رمالُ ضفةِ بحر، قتلي حلم لها،أعرف ذلك ولاأعرف لماذا،قالت إني جرحتها يوما ما..كيف وأين ومتى لا أتذكر، لكثرة ما جرحتُ وقتلتُ من الفرسان
الآن الثأر..،
يخذلني حصاني فأسقط أرضا،كما سقطت هي أرضا ؛لأني خدشتُ جوادها، لكن كلاالجوادين نهضا ودارا حولنا بعاصفة من تلك الرمال.
أنا روماني الموطن،عارٍ تماما الاّ من تلك القماشة ،ألفّها حول جذعي، هي بذراعين عاريتين، نصف ثدييها مغطى بدرع من جلد مخطط بلونين، أسود وأبيض،يبرز من أعلى درعها ما يشبهُ فروة رأس الأسد، البطنُ عارٍ..فيما قطعة جلد أخرى بثنياتها تصل لنصف فخذيها، تسكن الغابات، أظن ذلك ،ولهذا لفّتْ على ساقيها أوراق نباتات واغصان رفيعة.
ها نحن نتقاتل...
مرَّ سيفها ليجرح صدري العاري؛سطحيا كان الجرح، قطرات الدم رغم ذلك لم تتوقف، فيما كانت عاصفة الحصانين تلفّنا أسقطتُ سيفها، جردتْ خنجرها ،لكني أسقطتها أرضاً متكوماً فوقها، معركتنا حدثتْ بينما كانت الشمس تغيب عن ذلك الساحل ، فقدت سيفي أنا الآخر حين إنقضضتُ عليهاو أنكسر رمحي قريباً من رأسه الطاعن، خنجر مقابل ربع من الرمح.
بين غبار الرمال نظرت إلى وجهها مليا.
متى رأيتُ هاتين العينين الزرقاوين وهذا الشعر المتلألأ بين نساء الأمازون.
_لماذا تريدين قتلي؟!
ما كنتُ سأصدق إن ثمة مقاتلانِ بينما كان يتقاتلان، كان يتجاذبان أطراف الحديث والقتال، أو حين يهمُ أحدهم أن يطعن الآخر، أو معتلياً فوقه، لكننا كنا_أنا وهذه المجنونة_ كنا كذلك.
هل عليّ أن أقتل هذه المرأة مرتين، الأولى كما تدعي والثانية كما سيحدث.
_جرحتَ كبريائي ذات مرة...لماذا تنظر لي،اقتلني ودعني احتفظ بكبريائي.
لا أتذكر أنني مررتُ يوما بوادي الآمازون، لا أتذكر إني طعنتُ إمرأة ً فيه، لا في قلبها ولا في ظهرها.
غبرةُ رمال الجياد تطوّق نزالنا، الثياب أنفكت قليلا، أنفتحتْ أزرار درعها الجلدي ، بان نهداها كرمانتين من البلور، ، فيما تراخى رباط مئزري .
الشمس في نظرتها الأخيرة نحونا، أصفرتْ الرمال مع بداية غسق جميل وضوء خجول لنجمةٍ تبزغ بخجل ،والأنثى هذه تبحث عن كبريائها..لكن أي كبرياء؟! .. لكن ماذا ؟
عدم تذكري ليس حجةً لي فيما كنتُ قد فعلتُ ذلك أم لا ، وإلاّ فما لي وهذه المتوحشة تطاردني ومنذ سنوات كما تدعي.
أدخلت رأس رمحي في جوفها، شهقتْ الفارسة المسكينة، علا خنجرها ليطعن ظهري، دفعتُ الرمح أكثر مجتازا رأس الشق،أطلقتْ الفارسة آهة أخرى، بقايا الضوء الأحمر المصفر الداكن لونّ جسدينا، والغبار يحيط بنا.
كلا الجوادين وقفا ينظران إلينا.
أحقا ما يحدث!؟
لا أعرف.
_ هل تتألمين أيتها الانثى البطلة؟
كي أنقذ كبرياءها، دفعتُ الرمح أكثر وأكثر، خنجرها وصل ظهري؛ لكنهُ لم يطعنني،ثم سقط من يدها فيما كان رمحي الطائش بين خلاياها.
_هل كل رماحك هكذا..أتقتلُ مَن تحاربُ مِن نسائك برمحك هكذا..فلماذا لم تقتلني قبل عامين،وجعلتني أبحث للثأر منك.
الان امنحْ جسدي كبرياءً لم أشعر به من قبل، أنا الذي كنتُ أطأُ كل الرجال من رعيتي.
بينما كانت آهاتها تتطاير بين الغبار وبين المغيب وعلى مرأى من الجياد،اختلط دمي مع دمها، جسدانا في شرنقة من التراب ونداوة من الدم والعرق.
_ لماذا لم تطعنينني بخنجركِ المسموم هذا؟
أدارت عينيها صوب أول نجمة ظهرت ،وهي تبتسم، هذه الفارسة المتوحشة تبتسم للمرة الأولى.
_ رمحك النذل أسقط خنجري...أكملْ قتلك لي، أطعنني مرة أخرى، فأنا بحثتُ عنك كثيرا، وأشعر بطعم الموت بين يديك، هذه اللذة لم أشعر بها من قبل...لا تَقُم من فوقي إلاّ بهجوعي وموتي نهائيا،..أنهِ توحشي..لكن دعني أنظر للنجمة تلك ، وأشارت بعينيها المتعبتين وهي ما زالت تنزفُ تحتي.
_ أي نجمة إيتها الأنثى الحمقاء المتوحشة.
_ تلك،.. لم أرها بهذا الجمال من قبل..هي تعرف الآن لذة الضوء، كما لم أعرف أنا كما الآن لذة هذا الموت الجميل.


حميد محمد الهاشم / العراق

القصة القصيرة الفائزة بالمركز الأول في ملتقى السرد مايو2022/



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى