محمد عبد القادر التوني - المهرة.. قصة

استوقفني طفل في الشارع ؛ يجلس مهموماً ، كعائل أثقلته ديون ، يضع يده فوق رأسه والأخرى يخط بها في التراب ! ، فاقتربت منه وجلست ، وما إن انتبه إلى وجودي حتى تحرر من سجن الصمت ؛ وفاجأني وهو يحدق في وجهي : مات أبي ! ؛ وجدي يشبهك كثيراً ، فهل يمكنني أن أناديك أبي ! أنت أبي !! وكررها بالقسم !!! ، فانتابني شيء من خوف وتساءلت : أيعاني هذا الولد من مرض عقلي ؟ ! ؛ ولم أتمالك دمعي ، ومكثت طويلاً مشتتاً أحدق فيه حتى وقف فجأة وتقدم ناحيتي ؛ فوجلتُ ، وزدت وجلاً وهو يقترب مني ويعانقني حتى عقد لساني عن النطق ، لكن سرعان ما عاد إلى ما كان عليه في جلسته الأولى ، وأخذ يحكي : ما مات أبي ! ؛ ولم أكذب ؛ تزوج من أخرى ؛ فحزنت أمي ؛ وتعايشنا معها في الحزن ، وكلما قلت أبي ؛ سخرت مني وانفجرت وهي تهدهدني من كتفي : مات أبوك ! ،

إني محسود يا أستاذ ! ، حسدتني امرأة في الشارع لا تعرفني ! ؛ خدعت بملامح وجهي ، ومن لحظتها أستشعر ألماً في البطن ،

واليوم خميس ، عاد أبي من غيبته ، وجلب لنا معه لحماً ، أعطانا إياه ومصروف الشهر ؛ وانصرف ؛ فلم تفرح أمي ؛ ولم نفرح معها ، ولم نهنأ باللحم ، وقد طبخته بدمع العين ،

أمي أجمل من زوجته ! ، لكن أمي … أمي … ! ؛ أمي تكرهني جداً يا أستاذ ! ،

كنت مريضاً بالأمس ؛ وبطني يعتصر من الألم ؛ فلم يحرك مرضي ساكنها ، ولما طلبتْ منها أختي الكبرى أن نذهب لطبيب ، ثارت ثورتها وصاحت : دعيه يموت ! ، وأنا أحب الموت يا أستاذ ! ؛ مات جدي وكان يحبني كثيراً ؛ ومات صديقي غرقاً وكنت أحبه أكثر من نفسي ،

إني جائع جداً يا أستاذ ! ؛ وبطني يؤلمني ؛ وأخشى أن أذهب للبيت ؛ فيؤلمني أكثر ! .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى