مناف كاظم محسن - حكاية طفلة..

منذُ أن سار ركب السبايا وهي تسير غارقة في صمتٍ عميق. لم ترَ رأسه المقطوع فوق الرّمح، كانت تراه يُحاذيها السير. يُحدِثها مبتسما ويمسح على رأسها. وكلّما أحرقتها سياط الجلادين على ظهرها الصغير يحتضنها ويمسح بيده الطاهرة على مكان الألم قائلاً لها كلمات لاأحد يسمعها الّا هي وحدها, فتبتسم فرحة, حاسّةً بدفءِ صوته متغلغلاً في أنحاء جسمها المتعب. لكنّها في تلك الليلة المرعبة عندما حُبسوا في الخرابة القذرة, يُحيط بهم العساكر برماحهم وسيوفهم ونبالهم الحادة, استيقظت من نومها فزعةً ولم تجد نفسها في حضنه الدافئ. صرختْ وارتفع بكاؤها عالياً. لم يعرف الطاغية ان ينام وأقضَّ مَضْجَعَه بكاؤها والمها. فبعثَ لها رأس أبيها في طشت. لمْ تصدق ما رأته الآن, بعد أن كان معها لحظة بلحظة في مسيرهم الطويل المتعب. مذهولةً اقتربتْ منه.

- تعالي يا ابنتي العزيزة.

سمعت صوته الرخيم يناديها، ورأته يفتح ذراعيه اليها. ركضتْ، دفنتْ رأسها في صدره الحنون وبكت. كانت تحتضن رأس أبيها المقطوع بلهفة. جسمها النحيل يرتجف مثل ورقة هشّة في الرّياح الصاخبة. لمْ يسمعوا غير نحيبها. فارتفع بكاؤهن جميعهن لبكاؤها, واحتفوا حولها. ثم سكتوا بعد أن سكتت ونظروا اليّها بارتياب. ساد الصمت في المكان بدده صوت أخيها حزيناً:

ارفعوها لقد ماتت.


مناف كاظم محسن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى