د. سيد شعبان - والعصفورة في حجم الحمامة

دق جرس التليفون، كما هي العادة لا أحب تلك الرنات المباغتة؛ صوت غريب نبراته غير معهودة؛ يطلب مني أن أسرع لمقابلة أحد الرجال القادمين من العاصمة يركب سيارة فاخرة؛ يحمل رسالة خاصة؛ تكليف من نوع خاص، دارت برأسها الأرض؛ هل وجه إلى اتهام ما؟ بدأت الوساس تفترسني، احتمال أنهم يطلبونك لتتولى مهمة ما- نظرات عينيها تشي بمكر خفي- سيما وأن الشائعات تجوب المدينة؛ إنك على صلة بصناع القرار يشيدون بإخلاصك وتفانيك في عملك، ابتسمت في إنكار؛ لا أمتلك صفات خاصة؛ إنها كذبة إبريل جاءت قبل موعدها بشهور، ما يزال الخريف رابضا في بنايات المدينة، أي وظيفة تلك التي يرسل بها مندوب، لو أرادوا توظيفي كما أتوهم فسيعلن هذا في نشرة الأخبار، ساعتها لن أمتنع؛ فأنا محب للوطن ومخلص لتوجهات القيادة.
أخشى أن تكون وشاية من أحد الذين ينثرون حولي الشائعات؛ أنا موظف بسيط، كل ما أستطيع فعله أنني لا أنقطع عن التماس حسن النية للسيد مدير الإدارة، رغم أنه لا يشركني في اتخاذ القرارات المناسبة، حين يأتى مفتش الوزلرة أسرع بذكر محامده، أتغاضى عن علاقاته المريبة بالسيد (ن) أو السيدة (م) والتي تحسن توظيف عطرها؛ حين تدهم المدينة كارثة ما؛ عمارة تبتلعها الأرض، قطار يخرج عن قضبانه كل هذا قضاء وقدر مما يجعل مفتش الوزارة يخرج مسرورا؛ ومن ثم يبقي على مدير الإدارة لمدة أخرى.
ألتزم الصمت دائما؛ أكتفي في حافلة النقل العام بأن أكثر من الثناء على جودة الطريق وانسيابية المرور؛ أوزع كلمات الثناء على المحافظ الذي لا يبرح مقعده الوثير حتى وهو يجوب الشوارع المسورة بأشجار الزينة، شعره منسق وحذاءه لامع يعكس ضوء الشمس حتى وإن كان شديد السواد.
لم ينطق لساني طيلة عمري بأية شكاية، الآن، لعل دوري في درجة وظيفية مرموقة قد حان، تتراقص زوجتي منذ سمعت بتلك الشائعة التي اجتاحت المدينة، تغيرت كثيرا، ارتدت ثوبا رسميا أكمامه تعود لحقبة العهد الملكي- لا أدري من أين جاءت به- يبدو أن شيطانها سول لها أنني مرشح لمنصب أمير، خيالها جمح بها كثيرا، استدعت جاراتها وأخذت تلح عليهن في تنظيف الشارع، يبدلن ثيابهن ولا مانع من نوبة استحمام جبرية للأطفال.
يتسارع وسواس الخناس الذي يسكن داخلي، يدور حديث مغلف بصمت مقلق:
إنهم يريدونك لتعاقب؛ فقد تجاهلت العصافير التي تشدو وتغرد للسيد مسئول شونة تخزين الحبوب المركزية؛ ألم ترها سمنت كثيرا، صارت العصفورة تقارب حجم الحمامة والتي بدورها تقارب الإوزة؛ هذا جحود منك ونكران لم تعد جهود الهيئة حديث الواقفين أمام أفران الخبز وعلى ألسنة ركاب قطارات الدرجة الثالثة.
ليس هذا فقط بل إنك لم تعد توزع تلك الكلمات المنمقة على القادمين من العاصمة ليتبينوا سير العمل وانتظامه- في الحقيقة نحن لا عمل لنا نلوك مفردات الصحف ونتخاصم حول الكلمات المتقاطعة- نراقب العصافير ومن ثم تزداد مرتباتنا فقد أتعبنا أنفسنا بما فيه الكفاية؛ لعلهم وجدوا إحدى حروف شعار المصلحة تسكنه العناكب.
تقترب سيارة سوداء، تترقب زوجتي الموقف، كم تبدو سعيدة، صعد المسئول الكبير؛ فتح مظروفا أصفر، أخرج ورقة مختومة بالحبر الأحمر؛ نظرا لجهدكم في العمل وتفانيكم في أدائه؛ قررت الهيئة ترقية السيدة (...... ) إلى درجة مدير عام المؤسسة!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى