د. سيد شعبان - سرداب المهدي!

قمت من نومي فزعا؛ الكلاب في الخارج تواصل نباحها، يبدو أن ما رأيته كان كابوسا مصنوعا من سراب؛ آلة عملاقة تحرث النهر، تمسك بي زوجتي، يصرخ أولادي؛ فالجوع في هذه الأيام أنواع كما الجنون؛ ندور في حلقة مفرغة، كارثة تلو الأخرى تمثل وحشا، فتحت جهاز التلفاز، مذيعة تنشر شعرها وتضع أصباغا على خديها، حمالة ثدييها تضج من ضيق، تلمع شفتاها حمرة، تلتهب غريزتي تلك المصابة بتساقط أوراق الخريف،إنهم يفلحون في إثارة الأشياء الخفية، تصرخ زوجتي في وجهي؛ هذا ليس وقت التسلية والبحث عما خفي وراء الملابس اللزجة، يجري فأر في غرفتي، يقرض أسلاك الكهرباء، يسود ظلام، أبحث عن كوب الماء، أصطدم بباب الغرفة، أبدو أعمى، تشق شجرة عارية جوف النهر؛ فصل الخريف يضرب الحياة الآن، تبدو الإناث أقل رغبة؛ يبدو أن الرجال أصيبوا بالضعف؛ لا أحد يشغله أن يمارس رجولته، الأسرة مصابة بعطب لا شفاء منه، بل حتى إذاعات العرب
هي الأخرى مقبلة على بيات شتوي يهددها بالخرس.
كيف لرجل أن يشعر بسطوته وهو مكبل بقيود الوهن والعجز، سألني زميل عن قصيدة غزل؛ يحتاج أن يدفيء مشاعره، ابتدرته ببيت أردده كثيرا: ودع هريرة .....
لا طعم للشعر ولا روعة للخيال؛ أعطيته وعدا بأن أهديه قصيدة جميلة، أعلم أنني لن أفي له. حتى هذه الساعة لم يقع تحت يدي بيت يلهب مشاعري، رغم أنني مولع بنزار وشعره والنتوءات التي بنى بها للوالهين ميدان تعبير، إلا أنني أصبت بيوميات على جدار النكسة، ويوميات سياف عربي، تمثلت حنظلة بطل ناجي العلي؛ لا أجد وقتا لتلك المشاعر الدافئة؛ ربما سأهدي زوجتي قارورة أشعار من تلك الأبيات التي جنت على أصحابها.
خرجت مسرعا إلى ضفة النهر- كل هذا حين عاودت النوم - لعلني أتثبت مما داهمني، نبات الصبار يخرج زهورا صفراء، حية تسعى وتلف نفسها في استعداد للقفز، تخوم وتلال حسبتها سفنا قادمة، لا أبصر أسماكا، يشتد نباح الكلاب، ثمة خطر قادم لا محالة.
يصدر القط مواءه، لقد ارتحل منذ أسبوع، بحثت عنه بين الأشجار، أبي يدعوه بالشيخ، كان طيبا غير أنه كان يغضب أمي؛ يسرق منها صغار الفراخ.
تجمعت كل هذه الأشياء المترابطة إلى حد ما، النهر بشجرته العارية، غياب القط الذي لاعب الصغار كثيرا؛ المذيعة المثيرة، أدركت أننا في متاهة أبى أيوب.
رجل يحمل حقيبة يضع بها ورقة وقلما، دخل بيت أهله، وما خرج منه حتى الآن، كل جار يدعي أنه رآه يدلف من بوابة الدار العامرة؛ تقول جدتي: ابتلعته الأرض، حدث هذا كثيرا، الجنية الحمراء تعشق فحولة الرجل العربي، تمنيت أن يكون هذا صحيحا، يتحرك داخلي إصبع ناجي العلي، يتعارك معي فتاه.
جعل الله كلامي خفيفا على الأسياد، يسلطون بوقا مقززا، يمسك بأشرطة ممغنطة؛ لكنني لا أعرف طريق الغواية؛ بي ضمور في رغباتي، أين أبو أيوب ؟
يتطوح دراويش السيدة أو لعل رهبان" حوزة قم " سيخرجون علينا في كل عام لنا ألف كربلاء؛ يقفون عند فم السرداب ينتظرون الذي يملأ الأرض عدلا؛ مهدي آخر الزمان، معه أسرار البيت الكبير، متاهة ستتضح معالمها عصر يوم الجمعة الأخير.
من زمن الذين ضلوا وما اهتدوا؛ رغم أنهم يواعدون عصافير السماء بحبوب القمح، كيف لهم لا يعربون عن حزنهم عن زيادة وجع حنظلة؟
يضرب القط الهارب باب البيت الخشبي يهرب منه فأر أوهامي، أرسم صورة للوادي مخضرا، تزهر الدلتا بأشجار الليمون، ما عاد لي حنظلة ولا خرج أبو أيوب من متاهة المهدي المنتظر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى