محمد مزيد - فتاة الجبل

فقدت فتاة في العشرين من عمرها، حيث أن كل الذين صعدوا الى الجبل للبحث عنها ، فشلوا في العثور عليها.
والحكاية بدأت ، عندما كنا في الباص الذي اقلنا من مدينتنا التركية الصغيرة، الى هذا المكان حيث تكثر الجبال والشلالات الهابطة من أعاليها، كانت هي اكثر الفتيات حركة وخفة، تغني بانطلاق مع الذين يغنون وتضحك بجنون وهستيريا مع الذين يضحكون، تلقي النكات والممازحات، كما لو كانت محبوسة في قفص، فأُطلقت مثل عصفور الى الفضاء، لا تعبأ بنظرات والدها ولا بنصائح أمها بالكف عن الزعيق والغناء المتواصل، كنا في سفرة عائلية، خمس عوائل عراقية اعتدنا السفر الى أماكن سياحية قريبة من مدينتنا، التي تقع في وسط الاناضول، كنت أكبر الرجال سنا، أجلس مع عائلتي في المقاعد الأخيرة من الباص اراقب الاشجار النابتة في صخور الجبال على جهة اليمين، وفي الجهة اليسرى تجلس زوجتي وبيننا أولادنا الثلاثة، لكنني في الحقيقة، كنت اراقب الفتاة الجميلة " شهرزاد " التي تغني وترقص بعجيزتها الكبيرة ترتدي بنطلونها الجينز، وقميصها الاصفر، ولما وصلنا، انزلنا الطعام والحاجيات التي سنجلس أو ننام عليها، هذه هي المرة الثانية التي نأتي فيها الى هذه الشلالات، نطلق العنان لانفسنا، بعيدا عن رتابة الأجواء التي نعيشها في المدينة .
ولما جاء الشبان، وقد فشلوا من العثور على " شهرزاد " الضائعة في منحدرات وكهوف الجبل، قلت لهم سأذهب انا للبحث عنها، فكان اول المعترضين زوجتي " اكعد راحة يمعود وين بيك حيل " أعرف أن صعود الوهاد والمنحنيات باتجاه اعلى الجبل لشخص بعمري في الخمسين ليس سهلا، لكن نظرات والد شهرزاد القلقة أفزعتني، كنا قد انهيا للتو وجبة الغداء المشترك، ولم يلاحظ احد غياب الفتاة، لكنني كنت أتساءل بيني وبين نفسي عن السبب الذي يجعل الام والأب لا يفتقدان ابنتهما، وقد خرجت قبل اشهر من تجربة زواج فاشلة مريرة، ربما لانهما اعتادا على جنونها وصخبها.
صعدت من خلال الطرق الملتوية للجبل، كنت أحفظ الأماكن بسهولة، وهذه موهبة اغدقها الله علي منذ زمن بعيد، حينما كنت في جبهة الحرب مع ايران، عندما نضيع في الليل بعيدا عن مواضعنا، ونحن في واجب لزرع الكمائن ضد العدو الإيراني كنا نعود بسهولة الى مواضعنا، حيث يوكل زملائي مهمة العودة الي باستسلام كامل لمعرفتهم بحنكتي في هذا الامر.
أمضيت ساعة وانا اصعد الجبل حتى وصلت الى منتصفه، حيث الكهوف المتعددة التي سبق لي العثور عليها في سفرتنا السابقة، تركت الكهفين الصغيرين ولجأت الى الثالث، الذي وصلت اليه في تلك السفرة بصعوبة بالغة، كانت الطريق اليه صعبة اذ يجب أن أمشي على حافة صخرية لا تتسع للمشي المريح، كما يجب مسك نتوءات الصخور كي أتجنب السقوط المريع، ولما وصلت الى الكهف الثالث الذي يفضي جداره الخلفي المفتوح على افق واسع، عثرت على الفتاة، جالسة وحدها، ليست خائفة ولا قلقة على مصيرها، أبتسمت لما رأتني ثم نهضت بلهفة وجنون افردت ذراعيها واحتضنتني " كنت أعرف انك ستاتي أنت وليس غيرك " شممت عطرها الاخاذ ولمست رقة جسدها وانا اطوي ذراعي حولها، ولامست من دون قصد ردفيها الكبيرتين، فاشتعلت الهسهسة المدوية في مساماتي ، " الم يعثر عليك الشباب حين جاءوا للبحث عنك ؟ " فأشارت الى فتحة في الكهف " هنا اختبأت عنهم ". استرحت جالسا على كارتونة كانت تجلس عليها، طفح البشر والسعادة على وجهها، سألتها " لماذا لم تنزلي معهم؟ قلق الجميع عليك " مسكتني من ذراعي وقالت "انهض عمو" فنهضت، قادتني الى فتحة الكهف الخلفية، " اتسمع؟ " سمعت عزف موسيقى حزينة مع وشوشة سقوط المياه من الشلال، وثمة صوت رخيم يردد الادعية، التفتت الي " ما هذا الصوت الا تسمع؟ " اثارتني أصوات الدعاء والموسيقى التي تأتي من أعماق الكهف، بقيت مندهشا، ثمة انوار ملونة تنطلق من تحته، حيث الحافة الخطرة التي تؤدي الى الهاوية، لكنني انتبهت الى أن الكهف فيه مغارة عميقة، ينطلق منها ضوء خافت، كأنه ضوء شمعة او فانوس، قلت لها " يأتي الصوت من هذه المغارة " سبقتني في الدخول اليها، فازدادت الأضواء الملونة كشفا للمكان، أخذت تمشي أمامي كأنما تعرف أسرار المغارة، حتى وصلنا الى مكان فسيح، يوجد فيه ما يشبه الكوخ، وثمة صوت رجالي رخيم مازال يردد الادعية " يا مالك الملك أقض حوائج الضالين في دروبك المجهولة".
ولما دخلنا ال الكوخ الفارغ، أختفى ذلك الصوت الذي كان يردد الدعاء، ثمة اواني طبخ وسرير وشيء مغلف مطروح على منضدة صغيرة، جلسنا على السرير، فقالت وهي تضحك " هنا يجب أن يقضي الانسان بقية حياته " لم أجبها، ثمة غموض في هذا المكان وصمت عميق، نهضت شهرزاد، قلبّت الاواني، وجلست أمام المنضدة الصغيرة، عثرت على شيء ما، وهي تعطيني ظهرها، لاحظت انها تمتلك جسداً مثيراً، خمّدت في داخلي شيطان الهسهسة ، " اركد يا هذا " يبدو انها عثرت على كتاب كبير أوراقه بالية، تكاد تتمزق، هرعت فورا اليها، ما أن رأيت بين يديها الكتاب، فأخذته منها وقبلته برقة وحنان، مكتوب بحروف أجنبية، كتبت بالحبر الأسود، قالت ما هذا الكتاب ؟ يبدو انه القرآن بلغة أهل هذه البلاد " اعجبني ذكاؤها. اعادته الى مكانه ثم سحبتني من ذراعي باتجاه السرير، تمددت عليه وفرشت ذراعها اليسرى " تعال هنا أيها العجوز، تعال نم بجانبي " نمت بجانبها، مذعنا الى عنف الهسهسة التي بدأت تضرب انحاء جسدي، ثم فجأة صعدت هي فوق جسدي ونامت، دفعتها برقة كي لا اجرح شعورها " لا يصح ما تفعلينه يا أبنتي " ثم نهضت " هل تريد أن ترى جسدي؟ " كنت متلهفا لذلك، ولكنني تذكرت قلق والديها وكبر سني وأنا انظر الى الكتاب، قلت لها " كلا لا أريد رؤية جسدك " لكنها نزعت البنطلون والقميص ورمتهما، ثم أفردت ساقيها، تنظر لي تلك النظرة العجيبة، بقيت في مكاني جامداً، لا أعرف ماذا أفعل، ومن بين فوضى الاواني والمنضدة الصغيرة، سمعت صوتاً رخيماً يخرج من الكتاب البالية أوراقه، يقول " يا مالك الملك، أقضِ حوائج الضالين من عبادك " قلت لنفسي، لست ضالا"!!
بزجرة قوية وعنيفة، قلت لها " هيا أرتدي ملابسك بسرعة، حتى ننزل" خافت وذعرت، ولما أكملت ارتداء ملابسها، وهي مرتبكة، نزلنا من الجبل، بعدها تم استقبالنا بفرح وبهجة كبيرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى