يعقوب المحرقي - هدى ليلى وردة في ألق الكون

ترحلين نحو الشمس ،
التي تقت لرؤيتها
صافية عذبة
تشرق على وجنات اطفال الجبل البعيد .
(سماء عيسى )
نصف القرن ياليلى مضى عنا
وفي عتم التساؤلات المحاطة بالقبائل
عصافير السنابل في الفضاء ندور
قد تذكر الجدران
في البيت الكبير الشاهق الممتد
في بر القضيبية
فتاة تزرع الجوري..
تسقيه بعينيها وعود النور
يطلع من فضاء البيت عطر القلب
يروي في الصباح زقاق من سكنوا وراء السور
(علي الشرقاوي)
دين الجيرة ، على ذات السطح المتناهي ،
يطل على سماء موشاة بالنجوم ،
الحكايا تشرب من النبع عينه ،
تغنيها الغيوم الرمادية والبيضاء ،
يعطرها القمر الذهبي ناظرا إلى الجدة ،
والطفل منصتا للحكاية ،
ليلى في ذات البيت حكت للدمى
قصص الجبال ورواية نبع الماء الرقراق الزرقة ،
وحكايا الطير بمنقاره سنابل قمح لخبز الفقراء
وراء التلال .
صور شتى وحلم طفولي واحد ،
الجدات يتسامرن عن الخضار والحليب وسقاية الماء ووليمة بسمك وارز في بياض غبش الفجر ،
جدته استأجرت البيت الكبير طيني اللون ،
عبق بذكريات ليلى وذاكرة جدتها ،
ولد فيه اطفال بنكهة الياسمين .
هكذا تواردت وتواعدت وانتقلت الحكايات
في القضيبية من حي فخرو ،إلى حي الشيخ دعيج ،
خيط من الذكريات المنداحة ،
الفتيان في المدرسة ،
عادل ويوسف كماء الجدول منسابا
يغذي نخيل المحبة ،
ويسقي عطش بساتين الرمان .
رفقة الليلك المزدهي والليالي المتفاخرة بوديعة السلام وجذوة الثورة وجمر التمرد .
ولدت في حرير فؤاد أمها ، وبين لين عطف ابويها ،
وفي قرة عين جداتها ،
البيت الكبير المنير ، وبثينة الوداد ،
وجميل الحكايات ، كينبوع ماء زلال ،
الدار ترفل بالأعياد وأفراح العرس ،
الصبايا والأولاد في زهوة دائمة الأنس ،
لذة الموائد وسخي المأكل ، وجمال المخيط ،
كان عالم صبية الليلك .
في الصورة كانت تاجا لرأس الصف المدرسي ،
ونجمة الكراسات ، وحلم الصبايا ،
في الصورة أيضا عروس البحر بيروت وصوت فيروز ، والجامعة الامريكية ،
منها انطلق عاليا صوت الطلبة ،
وثورة الفكر واحلام الفلسطينيات
بعودة إلى وطن سليب وأرض تنادي ،
في الصورة خليج يتململ برماد تحت وهج ،
بينهما جمر ،
شرارات تطوف بين بحرين وبحر ثالث لا ينام ،
لمن لم يعرف شغف التمرد وروح الثورة ومحبة الآخرين أقول :
لا تقربوا الليلك الليلي
لا ينام على الضيم ،
يرعى قطعان الحب بوهج الثورة ويعانق كرامة الإنسان .
صور كثيرة ثرية الالوان ،
رصعها لؤلؤ البحار ، نضدها طواش ماهر ،
وختم عليها تاجر ذكي بخاتم دلموني كريم ،
كبرت الصبية ،
على الصورة أن تكبر ، استحق الموعد ،
ودقت اجراس الثورة في قلب فقراء الصحراء ،
وصل نداء النور بيروت الجميلة في مخمل الأحلام ،
صاح نفير الوداع إلى أرض الظفائر السوداء ،
أرض الجمال والحمير واوار الشمس ،
وشميم الجبال ، وعزة النفس ،
واباء الرجال و تضحيات النساء ،
كتب التارخ ظفار قديما هي الأحقاف ،
قدسها بسورة القرآن ،
كانت امرأة الليلك مرقدهم في عتمة الليل ،
ملاذهم في حر الصيف ، مظلتهم في هديل المطر ،
مدرستهم في شحيح اللوح وندرة القلم ،
ضميرهم وطبيبهم المداوي ، عتادهم البائس ، وعدتهم البخيلة ، وكرم غذاء ارواحهم ،
تحت خيمة الثورة علمتهم السلام ،
وتطبيب الخاطر ، وقدح الفكر ،
لم ينسوا الفضل فحيوها يوم غادرت .
تكالب الفرس والجن وجنود سليمان
على سحق الاطفال ،
فذهب البعض الى خالد النعيم ، بعضهم إلى جحيم القيد ، وانتشر باقي الركب في منافي الحرية .
مرت اعوام ،
خرجوا من القيد إلى الضوء ،
ركبوا الهواء ومراكب النور ،
تشرد البعض مرة أخرى، عمل وجاهد الغالبية ،
صاروا اصحاب فكر ،وعلم لايقاس بميزان ،
لم ينسوا دروس الليلك ،
لم ينسوا الخيمة ،حتى في اطايب القصور .
تنادوا من اقطار شتى الى أرض بونت ،
ظفائرها الحمراء تلاعبها الريح
يؤرجحها الغيم وتسفها الرمال ،
سموها بلاد بونت ، او ساكلن ، او أوفير ، أو مهرة ، مملكة متعددة الأسماء ،
تقدح الخيال .
تشبهها في تعددها فهي لويز ميشيل
و روزا لكسمبورغ ، وحنا ارندت ،
وهي الجميلة الجليلة جميلة بوحيرد
وهي قبيلة نساء في امرأة ،
كما الثورة متعددة الروافد ،
موحده الاهداف .
يحار القادم الى بلاد بونت بين ابوابها :
دون عنها الهمذاني في قراطيس ذاكرته :
"كان باب ظفار الذي يكون منه الأذن على الملك ، بينه وبينها على قدر ميل ، وكان دون ذلك الباب واهزان بينه وبينها باب علي ، وكانا يسكتان الناس إعظاما للأذن وكان بين كاتب الأذن إلى المدينة سلسلة من ذهب يحركها واهز الأذن ،
إذا أقدم عليهما شريف من أشراف الناس يريد الملك فيكتب الواهز إلى واهز القصر فيقع ذلك إلى الملك ،
وكان الباب فيه السلسلة باب علي (عالي)"
في الطريق شاهد الراحلون إلى الثورة صورا ونقوشا حميرية نحتية لغزلان ، و فهود وحيوانات خرافية مجنحة و أشجار عنب وأحجارا منحوتة
عليها رسوم الثيران والوعل ، على معبد رصف بأحجار البلق الجميلة وسمعوا دعوات
إلى الإله «رحمنان» رب السماوات والأرض ،
صعدوا جبل الحرثي بوادي جبل حجاج حيث ملوك حمير يتنقلون للعيش والسكنى في أعلى القمم
والتحصن من غزواة العداة .
سمعوا صدى تردده ظفارللشاعر أسعد :
"وريدان قصري في ظفار ومنزلي
بها أس جدي دورنا والمناهلا
على الجنة الخضراء من أرض يحصب
ثمانون سدا تقذف الماء سائلا ".
ليلى التي غادرت في اوج العطاء ، لم يجرح أحد
لها مقاما ، هي في عين الأحبة رقيقة رفيعة الآمال في قلوب من صافحوها كانت قنديل الدرب وطريق التضحيات ، خذلتها راتاها وخانتاها وابكت محبيها ،
رأتان صمدتا زمنا ، كان الدهر عصيا والشفاء مغالبا ومتكالبا ، ناضلت بالنواجذ للبقاء، تؤمن بالحياة وتحب الأمل ،
و تعشق الحرية ،
لها في القلوب مقام السلام ،
وبساتين من الذكرى الخالدة
وفي بيت القضيبية الطيني
جميل حكايا الجدات
وشمس نهار لن تنطفي أبدا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى