أسامة إسبر - زنزانة انفرادية

لا شيء سوى الحواجز في الأفق
وحين تُشْرقُ الشمس
لا تضيء سوى الأنقاض.
كما لو أنني أقفُ على الأطلال
كما لو أن فردة الحذاء على طرف الطريق
كانت في قدم الريح،
والدمية الممزّقة بين الأحجار
سقطتْ من يديْ غيمة
أو أن حبات السبحة المتناثرة
كانت في أصابع الفراغ
أو أن الزجاج المهشّم والأحجار
سقطوا من كواكب أخرى
كما لو أن ثقباً أسود ابتلع من كان هنا
ولم تبق إلا الشاهدة.
لم تعد تلائمني حياتي
وُلدتُ داخل صورةٍ
وكَبرتُ داخل الإطار.
أتصوّرُ نفسي معلقاً على جدار،
أو عمود
في نار تشتعل
في بيتٍ في لحظة تهدّمهِ
أو في جسدٍ
في الثانية التي تخترقهُ فيها رصاصة.
صار الصمتُ لغةً
صارت المقابر ذراعين وصدْراً
صارت الطفولة تجعيدة
والفرح ندبة في وجه الكآبة.
ثمة من يستكثرُ علينا هذا المنفى،
ثمة من يديننا حين ننفي أنفسنا
ثمة من يريدنا
أن نموت فوق هذا الموت.
ثمة من يدقّ المسامير على صورتنا في الإطار
كي يواصل النظر إليها شامتاً.
وحين لا تعرفُ المدينة أين قدماها
حين يسقطُ رأسها عن كتفيها
حين يُنْتزعُ قلبها من صدرها
ويُزرع مكانه لغم
حين تُستبدل شرايينها بفتائل الديناميت
حين تُسْمل عيناها
وتُوضَع مكانهما فوهتان
حين تنسى اليدان أنهما تصافحان
والشفتان أنهما تقبلان
والذراعان أنهما تعانقان
والعينان أنهما تبصران
يضيقُ الصباحُ
لا يتسع ليقظتكَ
يضيقُ الليل
لا يتسعُ لسهرتكَ
تضيقُ المسافة
لا تتسع لجسدك
يضيقُ جسدكَ
يصيرُ سجناً
وتُرْمى وحيداً
في زنزانته الانفرادية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى