مقتطف د. محمد الهادي الطاهري - يوميات قائم بأعمال ربة البيت (13)

(13)

لم تتلق ربة البيت المصون طيلة عطلة مرضها إلا ثلاث زيارات رسمية إحداها من صديقتها ليلى. أما الزيارتان الأخريان فكانت إحداهما من جهة غير منتظرة. والطريف في هذه الزيارة أنها جاءت بعد أكثر من عشرين يوما على الحادثة الطارئة. عشرون يوما ونحن نتوقع زيارة كهذه لا أماا في المساندة والمساعدة والمؤازرة بل استعدادا لاستقبال رسمي من جهة رسمية. وهذا يعني حذرا شديدا لتفادي كل خطأ قد يخل بآداب الضيافة ومراسمها. وكان لابد إذن من حملة نظافة واسعة تأتي على كل ركن من أركان البيت. وأنا والحق يقال لا يتسع صدري لمثل هذه الأشغال الشاقة وليس لي من الوقت ما يكفي للقيام بها. هل يجب مثلا أن أنفض كل غبار عالق بالستائر والرفوف وشاشات التلفزات والحواسيب المنتشرة في الغرف الثلاث؟ وهل يجب أن أغسل جدران المطبخ وبيت الاستحمام وأن أعطر الفضاءين بما يجب من عطور. أنا في الحقيقة رجل عفوي وتلقائي وأكره كل عمل فيه تكلف و مجاملة. صحيح أن هذه الزيارة المرتقبة زيارة رسمية لأنها من لدن جهة رسمية ولكنها في اعتقادي من جهة بيننا وبينها رابطة تغني عن كل تكلف. ومع ذلك فقد أصرت ربة البيت المصون على إظهار الكثير من علامات النظام والترتيب لا ابتهاجا بقدوم الزائرين فقط بل احتراما لمعنى أن يكون المرء رب بيت أو حتى قائما بأعماله لفترة محدودة. واجتهدت تبعا لذلك في القيام بما يجب؛ قالت ربة البيت المصون :فضاءات ثلاثة لابد من العناية بهم عناية خاصة قاعة الجلوس والمطبخ وبيت الاستحمام. تذكرت صورة الكنيف في المقامة المضيرية وكيف قال عنه صاحب المضيرة كنيف يشتهي الضيف أن يأكل فيه، وقلت في نفسي: كيف لم أنتبه إلى هذا المعنى وقد شرحت تلك المقامة مرات ومرات. ها أن الوقت قد حان لنكتشف قيمة أخرى من قيم الأدب غفلنا عنها . القصص والأشعار وكل صنوف الأدب يا سادتي ويا سيداتي أيضا نصوص تعلمنا كيف نحيا وتدربنا على مهارات الحياة اليومية ولابد إذن من أن تكون البداية بالكنيف. أما المطبخ فقد تدربت عليه وأما قاعة الجلوس فأمرها هين جدا. وكيف يكون أمرها عسيرا وهي المتروكة ابدا لا نكاد نطؤها إلا عرضا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى