يعقوب المحرقي - أسرار سرب الريش

"لقد طاف العطار بمدن العشق السبع
ومازلنا نحن
في منعطف جادة واحدة"
(جلال الدين الرومي)

"إن هؤلاء الفجرة الفسقة
سائرون في طريق المعنى .
أيها الجهلة متى كان العشق مستساغاً من سيئ الطوية"
(فريد الدين العطار)


كلما مر سرب إنتظرنا الآخر
لا ينتهي حبل الوهم
يربط قائدهم بالجبل والنهر والغابة ربما يرونها بعيون طائرة
وقلوب معلقة في هواء الرجاء
لم يكن آخرهم وكذا أولهم
كان تأويل الرحلة
لأطفال مثلنا عصيا .
نجلس ساعات
على مرتفع يطل على البحر
ننتظر الأسراب تمر .
ننتظر الأسرار تنكشف
فتزيدها غموضا اسراب جديدة
للتو حلقت نحو هدف لانراه .
في البداية كانت اسراب الطير حاملة في صدورها املا بيابسة
حيث لا تقتل ولاتشرد ولا يكسر بيضها وتفتش اعشاشها
ولا تطاردها دوريات العسس الليلي ولا يسجنها حكام الغيوم .
مرة ترى شمسا طالعة من الشرق فتتبعها لتجد الدفء
الذي سرقوه من بين جوانحها .
مرة تنام تحت قمر يرعى
وسط نجمات عاشقات
بلون الذهب .
مرات تسهد خوفا
من رعب غيوم سوداء
تحرقها بشرار برقها
ورعد يصم آذان قائدها
فيفقد البوصلة والحوصلة
ويشتت السرب
كالقطن المنفوش في محفة الرياح .
لأنه الدرس الأول
لأطفال يستكشفون الحياة
في أسرار سرب
خارج من مخيال شقي
متناه في صغره يحلق مع السرب
فتتشابك خيوط السرد ويضيع السرب او يتفرق ليلتقي ثانية
على اشجار حلم طفولي
يبحث عن حنان مفقود
وامل بحياة موعودة
في نثار الغيم وشظايا النجوم
وفتات الخبز
يحمله النمل الى ملاذاته الغامضة .
كما الطير كنا على الأرض
نرى زرقة البحر فنقول :
سلاما على مأوانا الجديد .
تتعلق اعيننا بالشجر فنصيح :
هذا موطن الطير
ومسكن الإنسان الاخير
يغرينا اخضره .
نتيه
بشهية فاكهة بهجة اغصانه
شفافة كنجمة مرجان
تترصدنا من اقاصي السماء
ومن عمق الماء .
نحضن آمالنا
ننام على مخدات ريش الطير ذاته الذي تسرب في السرب
ليصل إلى اطراف احلامنا .
مهاجرا كانت هويته وعنوانه السماء
هذا الطير أصبح ريشا ننام عليه ونحلم باسرابه واسرار رحيله .
نحن غابة أطفال
نخاف الوحوش النائمة
في مغارات مخيلاتنا
والعقارب التي تسعى
خلف اقدامنا الصغيرة
في مفازات احلامنا .
كأن الريش يطير
تحت رؤوسنا الصغيرة
محذرا
من قتل وشيك لسرب قادم .
كأن اسراب الطيور
التي نراها
لن يصل منها سوى الريش .
هكذا كانت أحلامنا صغارا
وكذا كانت تقاطعات الحلم والعلم تحت أجنحة اوهامنا .
كنا صغارا
وكذا صغار الطير
حالمة بهجرتها الجديدة
إلى فردوس لن تراه
سوى في مناماتها .
جمعها العطار
وطار بها السيمورغ
إلى أرض يحكمها الفجر
وتأولها اسراب الليل السارية
خلف جوقة الغيم البيضاء .
لن نكشف الأسرار ولن نبوح للكبار بسر السرب واحلام الطيور
تضامنا مع حكمة السيمورغ
ومعاضدة لإسراء العطار .


يعقوب المحرقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى