فوز حمزة - غائم جزئي

ما زلتُ أتذكر رغم مرور أعوام طويلة، اليوم الذي اصطحبت فيه ولديّ مع كلبتهما إلى السوبر ماركت لأشتري لهما بعض الحلوى. كان الكبير بعمر الخمس سنوات والصغير بعمر الثلاث.
الفصل كان ربيعًا وسحبٌ عابرة غطتْ وجه السماء كما يصفونه في نشرة الأخبار بإنه غائم جزئي.
طرأتْ في رأسي فكرة وأنا أنظر للشمس المترددة التي تظهر مرة وأخرى تغيب، قمت بالعد لأعرف الوقت المستغرق لفعل ذلك، الرقم عشرة كان الحد الفاصل بين ظهورها و بين الاختفاء، قلت لطفليّ لأظهر بطولاتي أمامهما:
- ما رأيكما لو أطلب من الشمس الظهور الآن؟
استغرب الكبير وسألني:
- كيف يا ماما؟!
أما الصغير، اكتفى برفع رأسه إلى السماء بينما الكلبة جيكو كانت تهز ذيلها بفرح.
أجبتْ بغرور:
- ألا تدرون أن الشمس تسمع كلامي ، انظرا.
ثم توقفتُ وأفلت أيديهما وأغمضتُ عينيّ وبدأتُ أحرك شفتيّ بصمت كراهبة بوذية بعد أن شبكت كفيّ وقربتهما من وجهي، انهيت العد إلى عشرة، مسحت وجهي بباطن كفيّ لأهتف بطريقة مسرحية رافعة ذراعيّ نحو السماء بعد تأكدي من خلو الشارع من المارة:
- أيتها الشمس، أمركِ بالخروج فورًا!
ظهرتْ الشمس من بين الغيوم وأخذت أشعتها الخفيفة تغطي ما تحتها ومعها شعرت بفرح كبير، كنت كمن اخترع كذبة ثم صدقها.
نظرات الإعجاب في عيون أطفالي جعلتني أشعر كم أنا أم عظيمة إذ استطعت إبهار أولادي وإثارة دهشتهم وليعرفا أن بإمكاني فعل أي شيء ثم أمرت الشمس بالانصراف بعد عدي لعشرة أخرى، هكذا فعلت طوال الطريق بالشمس المسكينة و ولديّ البريئين.
كم رائع إحساس القوة والسيطرة؟! لم يخطر في بالي حينها معرفة رأي علم النفس في ذلك؟
النهار كان قصيرًا ومتقلبًا ومعه انقلب السِحْر عليّ إذ وجدت نفسي في حيرة من أمري حينما طلب ابني الكبير وهو يمسك بيد أخيه أن أمر الشمس بالظهور ثانية وكانت الساعة التاسعة والنصف مساءً.
بلعتُ ريقي كمحاولة لتجاهل الطلب. قطع الكيك المحلى بالكريمة التي قدمتها في غير موعدها وقصة ليلى التي قتلت الذئب وأكلت جدتها لم تستطع أن تنسيهم المهمة التي حضرا من أجلها.
تظاهري بالمرض لم يشفع لي، حاولت ممارسة دوري كأي أم وابتزهم عاطفيًا، فشلتُ، بل شددوا الخناق عليّ حينما تمددا على الفراش بجانبي يغمرهما أمل في تحرير الشمس السجينة على يد أمهم الخارقة.
عليّ اختراع كذبة جديدة لأغطي على القديمة، فكرت في طلب المساعدة من زوجي، لكن تراجعت لأني متيقنة من استخدامه لمشكلتي كمادة يتندر بها - كعادته - أمام أهله وأصدقاءه.
أقنعتُ نفسي أن المرأة التي تتحكم بالشمس تتمكن من مواجهة أي مشكلة!
قلت لهما وإحساس ببلاهتي قد تجسد أمامي:
- الشمس تنام مبكرة، فلديها دوام في الروضة غدًا صباحًا.
سرعان ما سقطتْ هذه الحيلة وبانتْ نسبة ذكائي بهتاف الكبير بفرح:
- إذن، غدًا سنرى الشمس في الروضة!
ثمة سؤال آخر من ابني الصغير يشبه الأفق الغائم في نهار ممطر:
- هل ستجلب معها حقيبة مثلنا؟
نظرت إلى الكلبة وحسدتها في سرّي، لكن الحسد في هذه اللحظة لا يجدي نفعًا.
هذه المرة لابد من الهرب، تظاهرت بالنوم لأفكر في الشيء الذي يمنع حضور الشمس مع حقيبتها إلى الروضة غداً؟!
تنفستُ الصعداء وأنا أسمع صوت المطر صباح اليوم الثاني وأولادي يراقبون قطراته الساقطة على زجاج النافذة، هذه علامة خير فالمطر سيغسل ذاكرتهما بشأن الشمس الأسيرة وكذلك حجة قوية ليغيبا عن الروضة ذلك اليوم.
لم يرق لي أعطاهما انطباعًا أنني مرتبكة عندما سأل ابني الصغير أخاه:
- مَنْ يُنزل المطر من السماء؟
صليت كي لا يطلبا مني إيقاف المطر؟
كان هذا السؤال المرعب يجول في خاطري عندما أجاب ابني ملتفتا نحوي وفي عينيه نظرة لم أفهم مغزاها حد هذه اللحظة:
- أمي بالتأكيد!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى