يعقوب المحرقي - زهرة المساكين

"راجعين يا هوى راجعين
يا زهرة المساكين "
(فيروز )

" المسكين يحب لذاته
والثروة تجعل الغني محبوبا"
( فرناندو دو روخا )


اول السطر حرن راس القلم العنيد
منذ اسابيع وهو يكرر التجربة
الحرف الأول سيأتي بالكلمة الأولى التي ستجر الجملة الأولى وهكذا تمضي الجمل كعربات قطار
تجر بعضها بعضا
بقي أن يعرف القلم
إلى اين يتجه القطار
ومتى سيصل محطته الاخيرة
وينزل المعاني
في حقائب من قش او من ذهب
الجمل لاتسأل الطريق
والعرية الأولى لا تحمل حقائبا
الصاعدون اليها في تناقص
والنازلون كذلك
هكذا امضيت اليوم الأول
في كتابة جملتين
على أن تلحقها البقية
خرجت من القفص
الذي اعتزلت فيه
وسجنت معي حروفي
لفتت نظري على طرف الرصيف
تطل براس صغيرة كراس قلمي
الذي يعاندني
همست : ( لا )
فرفعت حذائي قبل ان يطاها فتنفست بعمق وقالت محيية :
زهرة المساكين
لم اعرف القصد
سمعت عن انواع الزهور
وهي مباحة في السوق
او في البساتين
تأملت أطرافها
وكيف شقت الصخرة
وطلت بشموخ براسها
ذكرتني بضحايا الزلازل
وكيف يخرجون بغبار الكارثة
هي ايضا كانت مدثرة بثوب الغبار وبعينين لم يزرهما وسن منذ زمن
مسحت بلين اطراف اصابعي راسها وعلى عينيها وشفتيها
برطب المنديل
بكت للمرة الأولى يشفق
عليها بشر لا نحلة او فراشة
الزهرة الصغيرة عاشقة للغناء
لم تنتظر ذهابي لتصدح بزهرة المساكين :
مِنوَدَّع زَمَان مِنروح لَزمَان
ينسانا عَلى أرضِ النِسيان
مِنقول رَايحِين مِنكون رَاجعِين
عَلى داَرِ الحُب ومِش عَارفِين
آه رَاجعِين يا هَوى عَلى نارِ الهَوى
مَغرور يا هَوى يا هَوى مَغرور.
يا حَبيبي يا وَردَة يا سُور....
قطعت الاغنية لتبكي القرى المدمرة بمناحلها واعشاشها وعصافيرها واشجارها وزهرات مساكينها
اطلت براسها فهرستها احذية الجند وحرقتها نيران مجنزراتهم
حكت لي الزهرة المسكينة :
الجدران كتب عليها بدم الأطفال زهرة المساكين
وكيف صاحوا : راجعين
حنين يؤرق الصخر ويفلقه
ويوهج البتلات برؤيا القمر
هذا الصراخ الفيروزي الهاديء
يصم بهدوئه الاذنين
هو من حفر عميقا لينطق الماء الضمآن برضاب الهوى
زهرة المساكين ذاتها
التي لم تستطع الرحيل
غارت تحت الأرض
في انتظار غيث الحرية
املا في عودة الرشد
الى غي المتحاربين
اخيرا وجدت ضالتي
لكن الزهرة ستذهب الى الفناء واعود الى قلمي
الى فيروز تحيك الاغنية
على منوال الوجد
جمل جديدة تصف الحقائب
في انتظار قادم العربات
الى حيث المساكين بزهرتهم
الرمز والأيقونة
حيث سنكتب اغان جديدة
لزهرة المساكين على ايقاعات
ترتيل ملائكي فيروزي :
نِحنا العَاشِقين عَاشِقين عَاشِقين
وإنتوا بليالينا عَايشِين
آه رَاجعِين يا هَوى عَلى نَار الهَوى
رَاجعِين يا هَوى رَاجعِين
يا زَهرةِ المَساكِين
رَاجعِين يا هَوى عَلى نَارِ الهَوى
رَاجعِين يا هَوى رَاجعِين
لم تكتمل الحكاية
فسلتي لم تملأها الزهرات
الحروب في بساتيننا
تدوس الزهور
فتغور زهرات المساكين
بذعر بعيدا في اعماق الأرض .

يعقوب المحرقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى