عامر الطيب - طرقُ السلام مزدحمةٌ بالجمل

في ذلك الزمنِ
حين كانت الشمسُ تلجُ
السطوحَ دون محاباةٍ..
الأعماق دافئة و الأذرع أقلُ من ذلك بقليل.
في ذلك الزمن
حيث نسي أحدنا أن يمنح
الآخر ظلالاً
كافيةً للتواصل في الليل .

لقد صنعتني عائلتي
من الوحلِ، فزعُ أخوتي
من تلقائيتي ، وفزع أمي وأبي
مما أتيح لي صنعه ولم أصنعه..
لقد صنعتني العائلةُ العريقةُ
من الوحل قبل ثلاثة وثلاثين عاماً
وهي حتى الآن تخشى
عليّ من أن أتلوث بالماء.

خجلتُ من أن أحبك الآن
لأن ذلك يعني
أن في بيتي أشجاراً
ومع ذلك سيكون مهجوراً ،
أن في جسدي دماً ومع ذلك سأتوارى عن الأنظار..
أن في قصائدي
أناساً يحرثون الأرض
ومع ذلك فلا أحد ينال شيئاً مما يصنعه..
خجلت من أن أحبك الآن
لأن ذلك يعني
أن في حياتي موتاً
من النوع الذي يترصدني كالمأوى.

من المؤسف ألا أتذكر كلمة خنجر
إلا وأنا جريح،
ألا أكتب كلمة سرير إلا وأنا واقف
دون مساعدة،
لا أتحسس كلمة شجرة إلا ويدي ملتوية كغصن،
ألا تقودني
قدماي إلى وطن إلا وانا أخطط
للاستيلاء على أرض مضاءة في نفق ،
من المؤسف اليوم وغداً
وفيما بعد الغد
ألا تبدو لي السماء النائية ثمينة
إلا وأنا معصوب العينين .

لأنها ثلاجة الموتى
ينبغي أن تتردد قبالتها ، لأن الموتى
رفاقك ينبغي أن تتخلى عن كونك شاعراً
طريفاً،
لأنهم لم يموتوا للمرة الثانية ينبغي
أن تشتاق لهم،
لأن ميتات البشر غير صالحة للاستخدام
مراراً مثل حيواتهم
ينبغي أن تشير نحو العين بمرارة..
إنه الشيء الوحيد الذي يمكنُ
له أن يتلالا أياماً
في وجهي .

كنتُ صافياً مثل غيمةٍ في الضوء السعيد
لكنني وعندما كان بوسعي
أن أنهمرَ آثرت أن أتقطرَ فحسب.

أقرأ قصيدة جنب مدفأة
متخفياً في الدخان، أندس كالجرح
تحت كلمات الموتى
فأنا حي وذلك كافٍ لأزداد كثافة
في يوم من الأيام لن أتوقف
عن مخادعة موتاي ، أمنح العالم الخبر المجهول ،
أنفخ رماداً عن أجساد الشعراء .

تمرين آخر
على أن تموت، قف جامداً
ودون أن تسندَ نفسك
على جدار
حاول ألا تقعد
و ألا تبقى واقفاً..
انظر لوميض البرق، اختر أسماءً
لأحبابك ، تثبتْ فوق
المساحة التي تشغلها،
حاول هذه المرة
أن تعرف أنها أرضك النهائية
لكي تقع .

هاتفتني اليوم
و عبر الهاتف ارتجَ سقف البيت،
لم أكن أعلم
أنها الصواريخ الضخمة التي
أشاهدها في التقارير..
قلتَ عما قريب
سأصل إلى مكان آمن،
جمعت أغراضك و أحببتني ،
أرسلت لي قبلة ممحوة في الهواء
ورأيت بعد ذلك
جسدك الضائع يتمزقُ في النوم .

في مئة فندق
من فنادق العالم يشاهد المسافرون
أخبار غزة،
يرون الدم و يتلمسون أيديهم..
في الزبدة و البهارات
في اللبن و الملح
و الخبر
على المائدة
لم يعد بإمكان أحد أن يقرأ الشعر..
المدينة موحشة
و الجميع يتفهم حدود خفة الدم:
أن يغمض الأحياء أعينهم
إمعاناً بالموتى.

ليس الآن ، ليس لاحقاً،
ليس فيما بعد،
ستجيء شيخوختي وأهرم
متعكزاً على ذكرى عناقك الوحيدة..
حين قلت لا أفضّلُ
المواضيع الجادة
و أحببتني ..
كانت مزحةً
ذكرى عناقك البعيدة
توجب أن آخذها آخر أيامي على محمل الجد.

كنتُ صغيراً وكان وقت العشاء،
أن تجتمع العائلة
ويبدأ الجميع بمعالجة صمتهم..
لم يكن أبي
ليأذن لأحد بالحديث
دون أن يُسأل ..
أمي من مسافة أمتار في المطبخ، الدفتر الصغير
كمقبرة البشر السعداء
صافٍ دون جلبة ..
على شفتي كلمة أخيرة كزهرة رمانة ،
الجميع يتحدثون و زهرتي
الصغيرة تذبلُ في كوب الشاي .

يذوب السكر و الملح
بطريقتين و أحبك بطريقة واحدة
لكي لا أتعرف
على ذوبانهما إلا عبر فمي.

في زحمة المرور نفكرُ بمن سيصنع السلام
و يفكُّ الخناق؟
الوجوه سيئة كالأسطر ،
شرطي المرور
ينسحب بإرادته
تاركاً السيارات تتدبرُ طريقها..
تلك هي تعريفة عالمنا اليومي :-
طرقُ السلامِ
قصيرة لكنها مزدحمةٌ بالجمل.

عامر الطيب
العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى